واستعمل عليهم خيارَهم، وجعل المال عند سُمحائهم، وإذا أراد بهم شرًّا أمطرهم في غير أوانه، واستعمل عليهم شرارَهم، وجعل المال في أشِحَّائهم، ومضى.
وأتيتُ منزلي وإذا برسول الحجاج، فأتيتُه وقد اخترط سيفه وهو في حِجْره، فقال: ادنُ، فقلت: كيف أدنو وهذا السيف مشهور في حِجْرك، لا دُنُوَّ لي إليك، فأضحكه والله، وأغمد السيف وقال: ما الذي قال لك الخبيث؟ فقلت: والله ما غششتُك منذ استنْصَحتَني، ولا كَذَبْتُك منذ صدقتني، ولا خنتك منذ ائتمنتني، فأخبرته بما قال، فلما أردتُ ذكر الرجل الذي عنده المال صرف وجهه عني وقال: لا تُسمِّه، ولقد سمع عدو الله الأحاديث.
[ذكر بعض وقائع الحسن البصري معه:
روى الهيثم بن عدي، عن الشعبي قال:] كان الحسن البصري يُفَسِّق الحجاج ولا يأمر بقتاله، فأرسل إليه، فجاء الحسن والسيف بين يديه والنِّطع، فلما دخل عليه قال له: أنت القائل: اتَّخَذُوا عبادَ الله خَوَلًا، ومالَ الله دُوَلًا، وكتابَهُ دَخَلًا، يأخذون من غضب الله، وينفقونه في سخط الله، والحساب غدًا عند البيدر ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَينَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧]؟ قال الحسن: نعم، قال: فما حملك على ذلك؟ قال: قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧]. فأطرق الحجاج وقال: يا جارية، هاتي الغالية، فجاءت بحُقٍّ، فغلَّفه منها بيده، وقال: اخرج فنعم المؤدِّب أنت، فلما خرج إذا بأصحابه على الباب ينتظرون ما يجري له، منهم ثابت البُناني وابن عَون وغيرهما، فسألوه عما بدا من الحجاج في حقّه فقال: دخلت على هذا العبد، فإذا هو في سَبَنِيَّةٍ رقيقةٍ فتَوشّح بها ذات عَلَم، في جُنْبُذَةٍ من خلاف، سقفُها الثَّلْج، وهو يقطر عليه، وهو حِبْلٌ، يُطَرطِبُ شُعيرات له، فأخرج إليّ ثيابًا قصيرة قلّما عَرِقت فيها الأعنّة في سبيل الله (١).