وكان هَبَنَّقَة يخصُّ سِمانَ الإبل بالمَرْعى، ويدع المهازيل تموت جوعًا، ويقول: أنا لا أُصلح ما أفسده الله، ولا أُفسد ما أصلح، فنسب إلى الحُمق (١)، وكان سليمان يُعطي أهلَ الشرف واليسار، ولا يصطنع خاملًا، ولا يرفع خسيسةً فنُسب إلى هَبَنَّقَةَ.
ولما خلع قتيبةُ سليمان ولم يجبه أحد غضب وقال: لا أعزَّ الله مَن نصرتُم، والله لو اجتمعتم على عَنْز ما كسرتم قرنها، يا أهل السافلة، ولا أقول: يا أهل العالية، يا أوباش الصَّدقة، جمعتكم كما تُجمع إبل الصدقة من كلِّ أَوْب، يا معاشر بكر بن وائل، يا أهل النَّفْخ والكذب والبُخل، بأيّ يومَيكم تفخرون، بيوم حربكم، أم بيوم سِلمكم؟ فوالله لأنا أعز منكم يا أصحاب مُسَيْلمة، يا بني ذَميم، ولا أقول: يا بني تميم، يا أهل الخَوَر والقَصف والغَدْر، كنتم تُسمُّون الغَدْر في الجاهلية كَيسان، يا معاشر عبد القيس القُساة، تَبدَّلتُم بأَبْر النَّخل أعنَّةَ الخيل، يا معاشر الأزْد، تبدَّلتُم بقُلوس السُّفُن أعنَّةَ الخيل، يا معاشر الأعراب وما الأعراب! لعن الله الأعراب، يا كُناسةَ المِصْرَين، جمعتُكم من منابت الشِّيح والقَيصوم والقِلْقِل، تركبون البقر والحمير في جزيرة ابن كاوان، حتى إذا جمعتُكم قلتم كَيتَ وكيت، أما والله لأَعْصِبَنكَم عَصْبَ السَّلَمَة.
يا أهل خراسان، هل تدرون مَن وَليُّكم؟! وليُّكم أبو نافع هَبَنَّقَة، وكأني به قد بعث إليكم مَن يغلبكم على فَيئكم وفتوحكم، وقد فتح الله لكم البلاد، وذَلّل لكم العباد، وآمن سُبُلَكم، فالظَّعِينة تخرج من بَلْخ إلى مَرْو بغير جواز، فاحمدوا الله على النعمة، وسَلوه الشُّكرَ والمزيد … وذكر كلامًا طويلًا.
ونزل وقد أَوْغَر الصُّدور، وأفسد النيّات، فاجتمع أهلُ بيته إليه وقالوا: ما رأينا كاليوم قط، ما اقتصرتَ على أهل العالية وهم شِعارك ودِثارُك، حتى تناولتَ بَكْرًا وهم