أنصارك، ثم لم ترضَ حتى تناولتَ تَميمًا وهم إخوتُك، ثم لم ترض حتى تناولتَ الأَزْد وهم يدك، فقال: لما تكلمتُ ولم يُجبني أحد غضبتُ فلم أدْرِ ما أقول، إن أهل العالية كإبلِ الصَّدَقة قد جُمعت من كلّ أَوْب، وأما بَكْر فإنها لا تَمنَعُ يدَ لامِس، وأما تميم فجملٌ أجْرَب، وأما الأَزْد فأعلاج، شِرارُ خلقِ الله، لو مَلَكتُ أمرَهم لوَسَمْتُهم، وأما عبد القَيس فكما يضرب البعير بذَنَبه.
فغضب الناس، وكرهوا خَلْعَ سليمان، وغضبت القبائل من شَتْمِ قتيبة لهم، فأجمعوا على خلافِه وخَلْعِه، فكان أول من سعى في ذلك الأزد، فأتوا حُضَين بن المنذر وقالوا: إن هذا قد دعا إلى ما دعا إليه من خَلْع الخليفة، وفيه من فساد الدين ما قد علمت والدنيا، ثم لم يَقْنَع بذلك حتى شَتَمنا وقال ما قال، فما ترى يا أبا حفص؟ -وقيل: يا أبا ساسان- فقال: إن جعلتم هذه الرِّياسة في بني تميم تَمَّ أمرُكم؛ فإن تميمًا فَرسان خراسان، ولا يَرضَون أن يصير الأمر في غير مُضَر، فإن أخرجتموهم من الأمر أعانوا قتيبة، قالوا: فإنه قد وَتَر بني تميم بقتله ابنَ الأَهْتَم! فقال: لا تنظروا إلى هذا فإنهم يتعصَّبون للمُضَرِيّة، قالوا: نحق نُولِّيك الأمر، قال: لا ناقةَ لي في هذا ولا جمل، قالوا: فأَشِرْ علينا، فقال: ما أرى له أحدًا غَير وكيع بن [أبي] سُوْد الحَنْظَليّ؛ فإنه مِقدام لا يُبالي بما يفعل، ولا ينظر في عاقبة، وله عشيرة، وقد وَتَره قتيبة بصَرْفِه عن رياسته التي صرفها عنه وصيَّرها في غيره (١).
فاتفقوا مع وكيع على قتال قتيبة، وبخراسان يومئذٍ من المقاتلة من أهل البصرة ومن أهل العالية تسعة آلاف، وبكر سبعة آلاف، ورئيسهم الحُضَين بن المنذر، وتميم عشرة آلاف عليهم ضرار بن حُصَين الضَّبِّي، وعبد القيس أربعة آلاف عليهم عبد الله بن عُلْوان، والأَزْد عشرة آلاف عليهم جَهم بن زَحْر بن قيس، ومن الموالي سبعة آلاف وعليهم حيّان مولى بني شيبان، فكانوا سبعة وأربعين ألفًا.
وأتى ضرار بن حُصَين مُقدَّم بني تميم إلى قتيبة فقال: إن الناس يختلفون إلى وكيع يبايعونه، وبلغ وكيعًا فقال لقتيبة: احذر ضرارًا فإني لا آمنه عليك، وتَمارض وكيع،
(١) في الطبري ٦/ ٥١١ أن قائل ذلك حيان مولى بني شيبان.