للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدسّ قتيبة ضرار بن سنان الضَّبِّي إلى وكيع فبايعه سرًّا، فحينئذٍ علم قتيبة صِدق ضِرار بن حُصَين فقال له: قد تيقَّنتُ صِدقَ مقالتك.

وأرسل قتيبة إلى وكيع يستدعيه، فتعلّل عليه بمرضه، فقال قتيبة لشرَيك بن الصَّامت الباهلي صاحب شُرطته: اذهب فأتني به، فإن تعلَّل فاضرب عُنقه، وسبق الخبر إلى وكيع، فنادى في الناس، وخرج وهو يقول: [من الرجز]

لَبِّث قليلًا تَلحق الكتائب

واجتمع إليه الناس، وأقبلت الرّايات والكتائب، فأحدقوا بوكيع.

واجتمع إلى قتيبة أهلُه وخواصّه وثقاتُه، وقال قتيبة لرجل من أصحابه: نادِ: أين بنو عامر؟ فناداه مِحْفَن بن جَزْء الكِلابيّ -وقد كان قتيبة جفاهم: حيث وضعتَهم، فقال قتيبة: نادِ: أُذكّركم اللهَ والرَّحِمَ، فقال محفن: أنت قطعتها، فقال: نادِ: لكم العُتبى، فقال محفن: لا أقالَنا الله إذًا، فقال قتيبة:

يا نفسُ [صَبْرًا] على ما كان من أَلَمٍ … إذْ لم أجِدْ لفُضول القومِ أَقْرانا

ثم دعا بعمامة كان يتعمَّم بها في الحروب، وبفرس يقال له: مدرب (١) كان يَعدُّه للشدائد، فقدَّموه إليه، فلم يمكنه من ركوبه، وجعل يَشمس حتى أعياه، فقال: دعوه فهذا أمر يُراد، ثم عاد إلى سريره فجلس عليه.

وتهايج الناس، وأقبل عبد الرحمن، وصالح، وعبد الله، وعبد الكريم بنو مُسلم فحملوا على الناس، وحمل عليهم الناس فقتلوهم، وقتلوا ابنَ قتيبة واسمه كثير، وعامّة أهل بيته، ووصلوا إليه وهو جالس على سريره عند فُسطاطه، فقاتل حتى أُثخن جِراحًا.

ثم هجموا عليه، فنزل جَهْم بنُ زَحْر بن قيس الجُعفيّ فحزَّ رأسه وقال: [من الرجز]

مَن يَنِكِ العَيرَ يَنِكْ نَيَّاكا

ونجا ضرار بن مُسلم استنقذه أخواله، وأمُّه غَرَّاء بنت ضِرار بن القعقاع بن مَعْبد بن زُرارة، وفي ذلك يقول الفرزدق من أبيات: [من الطويل]


(١) في الطبري ٦/ ٥١٥: ودعا ببرذون له مُدرَّب، وما سلف بين معكوفين في الشعر منه.