للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فكيف لم تقطع السكين حَلْقَ الغلام، وقطعت حلق الحسين ؟

فالجواب من وجوه:

أحدها: لأنَّ النبي كان في ظهر الذبيح على قول من يقول إنه إسماعيل، فلم تعمل السكين فيه احترامًا لرسول الله .

والثاني: لأنها لو قطعت عنق الذبيح لاحتاج النَّاس في كل سنة إلى ذبح أولادهم أسوةً به، ففداه الله بالكبش لطفًا منه ورحمة، فكان الكبش فداء للنَّاس كلهم إلى يوم القيامة.

والثالث: لأنَّ الذابح للغلام كان شفيقًا، والذابح للحسين كان عدوًّا، العدوُّ ما في قلبه رحمة بخلاف الوالد.

والرَّابع: أنَّ الحسين وافق أولاد الأنبياء كيحيى بن زكريا، ولهذا عدد حروف اسم الحسين على عدد حروف يحيى، فجعلت الموافقة في الاسم والرَّسم والشَّهادة، وحظي قاتل الحسين باللعنة إلى يوم القيامة من عالم الغيب والشهادة.

قال علماء السِّير: فلمَّا رجع الغلام إلى أمّه رأته ممتقعَ اللون، فسألته فأخبرها فقالت: أردتَ يا إبراهيم أن تذبح ولدي ولا تخبرني؟! فيقال: إنَّها انفطرت مرارتها فماتت بعد ثلاثة أيَّام (١).

وقال مقاتل: إنما رأى مقدِّمات الذَّبح من المعالجة ولم ير الإراقة، فلمَّا فعل في اليقظة ما رآه في المنام قيل له: ﴿صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾.

قوله تعالى: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ﴾ أي: كما ذكرنا من العفو عن ذبح ولده ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ١٠٥] ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ [الصافات: ١٠٦] أي الاختبار الخالص.

وقال الزهري: وفي ذلك يقول أميَّة بن أبي الصَّلت (٢): [من الخفيف]

ولإبراهيمَ المُوَفِّي بالنَّذ … رِ احتسابًا وحاملِ الأثقالِ


(١) انظر "التبصرة" ١/ ١٣٧.
(٢) "ديوان أمية" ص ٤٤٠ - ٤٤٤، وتاريخ الطبري ١/ ٢٧٧ - ٢٧٨.