للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمرضى، وساق المياه إلى مكة والمدينة، وبنى الأعلام في المفاوز، وغزا أرض الروم سنة سبع وثمانين وسبع وسبعين، ووضع المنابر في الأمصار، وفرض للجَذْمَى والأضِرَّاء، وأعطى كل ضرير قائدًا، ومنع الفقراء أن يسألوا الناس، وكانت في أيامه فتوحات عظيمة: فتح قتيبة بن مسلم من مرو إلى مَطْلع عين الشمس، ومحمد بن القاسم بلاد الهند، وجاوز طليطلة (١)، وإذل الكفار.

والوليد أول من كتب في الطَّوامير، وعظَّم الكتب، وقد كان رسول الله والخلفاء بعده يكتبون: من فلان بن فلان، إلى فلان بن فلان، سلام عليك، أما بعد، وكذا فعل بنو أمية، فلما قدم الوليد غيّر ذلك، وأمر أن يُفَخَّم ويُعظَّم في كتبه.

ولما مات الوليد أقام سليمان على ذلك، فلما قام عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه غيّر ذلك، وفعل كما كان يفعل رسول الله والخلفاء بعده، فلما ولي يزيد بن عبد الملك ردَّها إلى ما كانت عليه في أيام الوليد بن عبد الملك، حتى قام يزيد الناقص يغير الحال إلى ما سنّه الوليد بن عبد الملك وإلى هلم جرّا.

وقال الواقدي: حج الوليد بن عبد الملك في سنة إحدى وتسعين في خلافته، ونزل بدار مروان، فأحسن إلى أهل المدينة ووصلهم، وسأل عمن بقي من الصحابة فقيل: سهل بن سعد، فأرسل إليه، فلما دخل عليه رحَّب به وأكرمه وأعطاه مئة دينار (٢).

وقال هشام بن محمد: كان الوليد صاحب بناء واتّخاذ للمصانع، وأجرى المياه، فكان الناس يلتقون في زمانه، فيقول بعضهم لبعض: ماذا بنيت؟ ماذا جدَّدت؟ فولي سليمان فكان صاحب طعام ونكاح، فكان الناس يسأل بعضهم بعضًا عن التزويج والطعام، فلما قام عمر بن عبد العزيز كان صاحب نُسُك وعبادة، فكانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وردك الليلة، وكم تحفظ من القرآن، ومتى ختمتَ، وما تصوم من كل شهر، ومتى تختم القرآن؟ ونحو ذلك (٣).


(١) الذي فتح بلاد الأندلس وجاوز طليطلة موسى بن نصير، فلعل في النص سقطًا. انظر "تاريخ الطبري" ٦/ ٤٩٦، و"المنتظم" ٦/ ٢٦٩.
(٢) في "تاريخ دمشق" ١٧/ ٨٤١ أن ذلك كان سنة (٧٨ هـ) وأن الوليد كان فيها ولي عهد.
(٣) "المنتظم" ٦/ ٢٦٨ - ٢٦٩، و"أنساب الأشراف" ٧/ ١٣.