وكتب سليمان جواب كتاب يزيد، وهو يثني على ابن الأهتم وعقله وفضله.
فسار ابن الأهتم سبعًا حتى قدم على يزيد، فدفع إليه الكتاب، فقال: ويحك، أعندك خير؟ فدفع إليه العهد، فسار يزيد من يومه، وبعث بين يديه ابنه مَخْلَدًا، واستخلف يزيد على واسط الجرَّاح بن عبد الله الحَكَميّ، واستعمل على البصرة عبد الله بن هلال الكلابيّ، وجعل مروان بن المهلب على أمواله بالبصرة وأسبابه -وكان أوثق أخوته عنده- واستعمل على الكوفة حَرْمَلة بن عُمير اللّخمي أشهرًا، ثم عزله وولاها بشير بن حَسّان.
وقال أبو عبيدة مَعْمر: لما بعث وكيع بن أبي سُود برأس قتيبة إلى سليمان وقع منه كل موقع، فجعل يزيد بن المهلَّب لعبد الله بن الأهتم مئة ألف درهم على أن يُنَفّر سليمان عن وكيع، فقال ابن الأهتم يومًا لسليمان: يا أمير المؤمنين، ليس لأحد عندي يد، ولا أوجب شكرًا مني لوكيع، قال: ولم؟ قال: لأنه أدرك ثأري، وشفى صدري من عدوي، لكن أمير المؤمنين أعظم منه عندي وأوجب حقًّا من جميع الناس، وإن النصيحة له تلزمني، قال: وما ذاك؟ قال: إن وكيعًا لم يجتمع عنده مئة عَنان قط إلا حدَّث نفسَه بغَدرة، وإنه خاملٌ في الجماعة، ظاهر في الفتنة، فقال سليمان: فليس هذا ممن يُستعان به في الأمور.
وكانت قيس تزعم أن قتيبة لم يخلع سليمان، فاستعمل سليمان يزيد على العراق، وأمره إن قامت البيّنة على أن قتيبة لم يخلع تبرأ من طاعة: أن يُقيد وكيعًا به، فسار يزيد إلى خراسان، ولم يعطِ ابنَ الأهتم شيئًا.
وقال أبو مخنف: ولما سار مَخْلَد بن يزيد إلى خراسان بين يدي أبيه، قدَّم بين يديه عمرو بن عبد الله بن سنان العَتَكي، فلما قرب من مَرْو بعث إلى وكيع بن أبي سود أنِ الْقَني، فلم يلقه، وقدم مَخْلَد مرو، ولم يخرج إليه وكيع فقال: هذا الأعرابي الأحمق الجِلف الجافي، ثم أرسل فأخذه وأصحابه فبسط عليهم العذاب قبل وصول أبيه.