للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد باع شهرٌ دينه بخريطةٍ … فمَن يأمَنُ القُرَّاءَ بعدك يا شهرُ

أخذتَ به شيئًا طَفيفًا وبعتَه … بشيءٍ يسيرٍ إن هذا هو الغَدرُ (١)

وقال أبو محمد الثَّقَفيّ: أصاب يزيد بجرجان تاجًا فيه جوهر له قيمة، فقال يزيد لأصحابه: أترون أحدًا يَزهد في هذا التاج؟! قالوا: لا، فقال لمحمد بن واسع الأزدي: خذه فهو لك، فقال: لا حاجة لي فيه، فقال: عَزَمتُ عليك، فأخذه، فقال يزيد لرجل: اخرج خلفه فانظر ما يصنع به، فلقي سائلًا فدفعه إليه، فأخذ الرجلُ السائلَ، فأتى به إلى يزيد فأخبره الخبر، فأخذ يزيد التاج، وعوّض السَّائلَ مالًا.

وفي رواية: أن سليمان بن عبد الملك لما كان يزيد بن المهلب عنده؛ كان كلما فتح قتيبة بن مسلم (٢) فتحًا يقول ليزيد: أما ترى ما يصنع الله على يدي قتيبة؟ فيقول يزيد: ليست هذه الفتوح بشيء؛ إنما الشأنُ في جرجان التي حالت بين الناس والطريق الأعظم، وأفسدت قُومس والبلاد.

وكانت جرجان قد عَصَتْ على المهلَّب وقُتيبة والأمراء الذين كانوا بخراسان، فلما ولي يزيد خراسان لم يكن له همٌّ إلا جُرجان، فلما فتح طبرستان أحاط بها بالعساكر من كل وجه، وكانوا قد نقضوا عهد يزيد، وهذه المرة الثانية، وكانوا قد قتلوا من المسلمين أربعة آلاف مع عبد الله بن المُعَمَّر، فحلف يزيد لئن ظفر بهم لا يرفع السيف عنهم حتى يطحن بطواحين من دمائهم، ويخبز من ذلك الطحين، ويأكل منه، فتحضنوا منه، وحولها غِياض وآجام، وليس يعرف لها إلا طريق واحدة، وقد عجز يزيد عنهم لأنهم أشحنوا ذلك الطريق بالرجال ووعروه.

فخرج رجل من عسكر يزيد واسمه الهيَّاج بن عبد الرحمن الأزدي، فأوغل وراء وَعِل، فأشرف به على عسكر القوم، فعاد إلى أصحابه، ودخل على يزيد فقال: تريد أن تظهر على القوم بغير قتال ولا تَعَب؟ قال: نعم، قال: أريد جَعالتي، فقال: احتكِم، فقال: أربعة آلاف، قال: هي لك وزيادة، فندب معه جماعة من الفرسان وقال: الموعد بيننا غدًا وقت الظهر.


(١) "تاريخ الطبري" ٦/ ٥٣٩.
(٢) من هنا إلى ما قبل ترجمة كريب بأسطر ليس في (ب).