للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبات يزيد يُعبِّي أصحابه، وأصبح فأضرم النيران حول العسكر وفي الغِياض، فخرجوا يقاتلون، فما شعروا إلا بكمين المسلمين وقت الظهر قد حلَّ من ورائهم -وكانوا آمنين من تلك الناحية- فركبهم المسلمون، فدخلوا الحصن وأعطوا بأيديهم، ونزلوا على حكم يزيد، فسبى ذَراريهم، وقتل مقاتلتهم، وصَلَبهم فرسخين على يمين الطريق ويساره، وقاد منهم اثني عشر ألفًا إلى الأندرهز -وادي جُرجان- وقال لأهل المقتولين بالأمس: اثْأروا، فكان الرجل يقتل الأربعة والخمسة، حتى أُجري الدم في الوادي على الماء، عليه أرحاء فدارت على دمائهم، ثم خبز وأكل ليبرَّ قَسَمه.

ويقال: إنه قتل منهم أربعين ألفًا، وبنى بجرجان مدينة لم يكن لها مدينة قبل ذلك، وعاد يزيد إلى مرو، واستعمل على جرجان جَهْم بن زَحْر بن قيس الجُعفيّ.

وكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك: أما بعد، فإن الله قد فتح لأمير المؤمنين فتحًا عظيمًا، وصنع للمسلمين صنعا عظيمًا وذلك فتح جرجان وطبرستان، وقد أعيى ذلك سابور ذا الأكتاف، وكسرى بن قُباذ، وكسرى بن هُرمز، وأعيى الفاروق وعثمان بن عفان، ومَن بعدهما من خلفاء الله، فتحه لأمير المؤمنين كرامة من الله، وزيادة في نعمه عليه، وقد صار عندي من خُمس ما أفاء الله على المسلمين بعد أن صار إلى كلّ ذي حقٍّ حقه -وهم مئة وعشرون ألفًا- من الفيء والغنيمة ستة آلاف ألف، وفي رواية: أربعة آلاف ألف ألف، وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين، وباعث إليه بعَطِرات عليها الأموال والطّيب، أولها عنده وآخرها عندي، العَطِرات: النُّوق الكرائم.

فقال له كاتبه المغيرة بن أبي قُرة مولى بني سَدوس: لا تعيِّن مالًا، وأبْهِم الأمر، وأسقط التَّعيين من الكتاب فإنك بين أمرين: إما أن يستكثره فيأمرك بحمله، وإما أن تسخو نفسه فيُسَوِّغك إياه، فتتكلف الهدايا، فلا يأتيه شيء من قِبَله إلا استقلَّه، وكأني بك وقد استغرقك ما سمَّيت، ولم يقع منه موقعًا، ويبقى المال المسمَّى مخلَّدًا في دواوينهم، فإن ولي والٍ بعده أخذك به، وإن ولي مَن يتحامل عليك لم يرضَ منك