للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو صالح المروزي قال: سمعت حاتم بن عطارد قال: حدثني أبو الأبطال قال (١): بعثت إلى سليمان بن عبد الملك بستة أحمال مسك، فمررتُ بدار أيوب بن سليمان، فإذا بدار كلّها وما فيها بياض، ثم أُدخلتُ إلى دار فإذا كل ما فيها أصفر، ثم أُدخلت إلى دار وإذا كل ما فيها أحمر وهي حمراء، ثم أدخلت منها إلى دار خضراء وما فيها كذلك، فإذا بأيوب وجارية له على سرير ما أعرفه من الجارية، ولحقني من كان في تلك الدار فانتهبوا ما معي من المسك.

ثم خرجت، فلما صرت إلى سليمان صليت العصر في المسجد، وقلت لرجل إلى جانبي: هل شهد أمير المؤمنين الصلاة؟ فأشار إلى سليمان، فأتيته فكلّمته فقال: أنت صاحب المسك؟ قلت: نعم، قال: اكتبوا له بالموافاة، ثم مررت بعد سبعة عشر يومًا فإذا الديار بلاقع، قلت: ما هو؟ قالوا: طاعون أصابهم فماتوا كلهم.

[وروى ابن أبي الدنيا (٢) أن المسك بعثه يزيد بن المهلب من خراسان.]

وقال ابن أبي الدنيا: كان سليمان قد عهد إلى أيوب، فمرض ونزل به الموت، فدخل عليه أبوه وهو يجود بنفسه ومعه عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حَيوَة وسعد بن عقبة الكاتب، فلما نظر إلى وجه أيوب خَنَقته العَبْرة فقال: ما يملك العبد أن يسبق إلى قلبه الوَجْد، وليست منكم حِشمة، وإني أجد في قلبي لوعة إن لم أُسكّنها بعَبرة انصَدعت كبدي كَمدًا وأسفًا، فقال عمر: يا أمير المؤمنين، الصبرُ بك أولى، فنظر إلى سعد ورجاء نَظرَ مُستغيث، فقال له رجاء: افعل ما لم تأت بالأمر المُفرط، فقد بلغني أن رسول الله وجد على ابنه إبراهيم وقال: "تَدمع العين، ويَخشع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب".

فبكى سليمان بكاء شديدًا، ثم رقَأت عَبرتُه، وغسل وجهَه، ومات أيوب، فصلّى عليه ومشى في جنازته، ثم وقف على قبره وقال: [من الطويل]

وقوفٌ على قبرٍ مُقيمٍ بقَفرَةٍ … متاعٌ قليلٌ من حبيبٍ مُفارِقِ

ثم قال: عليك السّلام يا أيوب، ثم أنشد: [من السريع]


(١) قوله: قال ابن أبي الدنيا حدثني أبو صالح المروزي، من كتاب "الاعتبار" (١٦)، وما بعده إلى هنا من (ص).
(٢) في كتاب "الاعتبار" (٢٣)، وما بين معكوفين من (ص).