للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كنتَ لنا أُنْسًا ففارقْتَنا … فالعيشُ من بعدك مُرُّ المذاق

فقال له عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه: بل الصبر؛ فإنه أقرب إلى الله وسيلة، وليس الجزع بمُحْيٍ من مات، ولا برادٍّ ما فات، فقال له سليمان: صدقتَ، وبالله العصمة والتوفيق.

وقال ابن أبي الدنيا: اشتدّ جزع سليمان على ابنه أيوب، فجاءه المعزُّون من الآفاق، فقال رجل منهم: إن امرأ حدَّث نفسه بالبقاء في الدنيا، ثم ظن أن المصائب لا تصيبه فيها لَغيرُ جيّد الرأي (١).

[واختلفوا في وفاته؛ فقال الواقدي:] توفي في آخر سنة ثمان وتسعين.

[وقال هشام: توفي] في المحرَّم لثمان خلون منه في سنة تسعٍ وتسعين، ومات أبوه في صفر لعشرٍ بقين منه سنة تسع وتسعين، فكان بينهما اثنان وأربعون يومًا، وكان عمر أيوب أربع عشرة سنة، وكان من أحسن الناس وَجْهًا، وأطيبهم خُلقًا.

[وقيل: إن سليمان أغزى ابنه أيوب مع مسلمة إلى بلد الروم، فعاد أيوب من الغزاة فمرض فمات.

وقال المدائني: الثبت عندنا أن أيوب مات بالشام مطعونًا، ولم يكن غازيًا، إنما الغازي مسلمة بن عبد الملك.]

وذكر أبو محمد بن حزم في كتابه المسمَّى: "نقط العَروس" (٢): أن سليمان قتل ابنه أيوب سرًّا؛ لأنه ارتد إلى النصرانية، كان قد ضمَّه إلى عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر، وكان زِنديقًا فزَنْدقه، فدسّ إليه سليمان سمًّا فقتل أيوب.

قال المصنف (٣): وقد أخطأ ابن حزم؛ فإنهم اتَّفقوا على أن سليمان حزن عليه، حتى قالوا: إنه انفلقت كبِدُه فمات كمدًا، ثم ابن أربعة عشر سنة من أين تأتيه


(١) "الاعتبار" (١٧ - ٢٠).
(٢) ٢/ ٥١ (رسائل ابن حزم)، وما سلف بين معكوفين من (ص)، وانظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٤١، ٤٢، ٥٦، و"تاريخ دمشق" ٣/ ٢٧٧ - ٢٧٨ (مخطوط).
(٣) في (ص): قلت.