للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جالسًا- فقال له: يا عباس، ما تقول؟ قال: أقطعني إياها أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سِجلًا، فقال عمر: كتاب الله أحقُّ أن يُتَّبَع، قم يا عبَّاس فادفع إليه أرضَه. فانتزعها منه ودفعها إلى الذّمّي، وجعل لا يَدَعُ شيئًا مما كان في يد أهل بيته من المظالم إلا ردَّه.

وبلغ الخوارج ما هو عليه من حُسن السيرة فقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل.

وقال عمر بن ذَرّ: رجع عمر من جنازة سليمان مُغْتَمًّا، فقال له مولى له: ما لي أراك مُغْتَمًّا؟ فقال: لمثل ما وقعتُ فيه فلْيُغْتَمّ، إنه ليس أحدٌ من أمةِ محمدٍ في شرق الأرض ولا غربها إلا وأنا أريد أن أُؤدّي إليه حقَّه، غير كاتب إليّ فيه، ولا طالبه مني.

وقال حمَّاد العَدَوي: سمع الناس عند وفاة سليمان صوتًا يقول: [من الطويل]

اليوم قَرَّت واستَقَرَّ قرارها … على عمرَ المهديِّ قامَ عَمودُها (١)

وقال: إنما سُمِّي المهدي لأن الخَضِر التقاه وقال: أنت المهدي، وستلي الخلافة.

قال الواقدي: بويع لعشرٍ بَقِين من صفر سنة تسع وتسعين.

دخل عليه بلال بن أبي بُردة حين بويع فقال: يا أمير المؤمنين، مَن تكن الخلافةُ زانته فأنت زِنْتَها، وأنت وإياها كما قال القائل: [من الخفيف]

وتَزِيدينَ طَيِّب الطِّيب طِيبًا … إنْ تَمَسِّيه أين مثلُك أينا

وإذا الدرُّ زانَ حُسْنَ وجوهٍ … كان للدرِّ حُسنُ وَجهك زَينا

فقال له عمر: دعني منك، فأنا أعرف بنفسي، إني إلى عفو الله أحوجُ مني إلى مَدحكم (٢).

وقال سَهل بن صَدَقة مولى عمر بن عبد العزيز: حدثني بعضُ خاصّة عمر بن عبد العزيز: أنه حين أفضَتْ إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عاليًا، فسئل عن البكاء فقيل: إن عمر بن عبد العزيز خيَّر جواريه وقال: قد نزل بي أمرٌ قد شغلني عنكن، فمَن


(١) الخبران في "تاريخ دمشق" ٥٤/ ١٣٥، ١٣٧.
(٢) "تاريخ دمشق" ٣/ ٤٩٠ (مخطوط). ونسب هذا الخبر إلى خالد بن عبد الله القسري، انظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٤٣٩، و"العقد" ٢/ ١٣٤، ونسب إلى رجل في "أنساب الأشراف" ٧/ ٧٧، و"تاريخ دمشق" ٥٤/ ١٨١.