[قال الواقدي:] وفيها اشترى عمر بن عبد العزيز ﵁ مَلَطْيَة من الروم بأربع مئة ألف دينار، وخلَّص منها ألفَ أسير، وبناها وأسكنها المسلمين وإلى هلم جرًّا، وكانت مأوى اللصوص وقُطَّاع الطريق ومركزًا للروم، وكانوا يَشُنُّون منها الغارات إلى بلاد المسلمين، فجعلها منزلًا لعساكر المسلمين، فأمِنت البلاد، وكذا فعل بالجُحْفَة والحجاز؛ كان الأعراب يقطعون منها الطريق، فجعلها منزلًا.
وحج بالناس أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وكان على المدينة، وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى قضاء البصرة بعد الحسن إياس بن معاوية بن قُرَّة.
وقال أبو عبيدة مَعْمَر: لما ولّى عمر الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن خرج عليه شَوْذَب الخارجيّ -واسمه بِسطام من بني يَشْكُر- في ثمانين فارسًا أكثرهم من ربيعة، وكان خروجه بجُوخى، فكتب عبد الحميد إلى عمر بن عبد العزيز يُخبره، فكتب إليه عمر: جَهِّز إليهم جيشًا مع رجل حازم في ألفَين، ومُرْه ألا يتعرَّض لهم حتى يُفسدوا في الأرض، ويسفكوا دمًا حرامًا، فجفز إليهم محمد بن جرير بن عبد الله البَجَليّ، وأوصاه بما أوصاه به عمر.
وكتب عمر بن عبد العزيز ﵁ إلى بِسطام يسأله عن مُخرَجِه، فوافاه كتاب عمر وقد قدم محمد بن جرير، فقام بإزائه لا يُحرِّكه ولا يَهيجه.
وكان في كتاب عمر إلى بسطام: بلغني أنك خرجتَ غَضَبًا لله ورسوله، ولستَ أولى بذلك مني، فهلمَّ أُناظرْك، فإن كان الحق بأيدينا فادخُلْ فيما دخل فيه الناس، وإن كان في يدك نَظَرْنا في أمرنا.
فكتب بسطام: قد أنصفتَ، وقد بعثتُ إليك رجلين يُناظرانك، أحدهما من بني شَيبان، والآخر من بني يَشْكُر، فقدما على عمر فناظراه، فكان في جملة ما قالا له: لِمَ أقررْتَ يزيد بعدك خليفة؟ فقال: أقرَّه الذي ولّاه، وما ولَّيتُه أنا، قالا: أرأيتَ لو وَلِيتَ مالًا لغيرك ثم وكَّلتَه إلى غير مأمون عليه، أتُراك كنت قد أدَّيتَ الأمانة إلى من ائتمنَك؟ فقال: أنْظِراني ثلاثًا حتى أنظر.