للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بإبراهيم صاح به إبراهيم: ناشَدْتُك اللهَ في ظُلامتي، فقال هشام: وما ظُلامتُك؟ قال: داري مقبوضة، قال: ما فعل عبد الملك فيها؟ قال إبراهيم: ترك الحق وهو يعرفه، قال: فما صنع الوليد؟ قال: اتَّبع آثارَ أبيه وقال ما قال القوم الظالمون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢]، قال: فما فعل سليمان؟ قال: لا قفي ولا سيري، قال: فما فعل عمر؟ قال: رد الحقَّ إلى أهله (١) ، فاستشاط هشام غضبًا - وكان إذا غضب انقلبت حَوْلَتُه- وقال: أما والله لو كان فيك موضع ضَرْب لأدَّبتُك، فقال: فيَّ والله الدِّين والحَسَب، لا يَبعدنّ الدينُ والحقُّ وأهلُه، وسيكون غدًا بحث وستعلم.

ومضى هشام، ثم دعا الأَبْرَش الكلبيّ -وكان خاصًّا به- فقال: يا أبرش، كيف ترى هذا اللسان؟ هذا والله لسان قريش لا لسان كلب، إن قريشًا لا تزال فيهم بقيَّة ما كان فيهم مثل هذا.

قال ابن الزبير: كانت هذه الدار بين الصفا والمروة، وتسمَّى دار آلِ عَلْقمة، وكان لآل طلحة منها شيء، والذي أخذها نافع بن علقمة الكناني خال مروان بن الحكم، وصار عاملًا لعبد الملك على مكة، ولم ينصفهم عبد الملك من نافع (٢).

وقال الزبير: قدم إبراهيم على هشام وهو خليفة، فكلّمه هشام فلحن، فأجابه إبراهيم مثل لحنه، فقال له هشام: أتكلّمني وأنت تلحن؟ قال: ما عَدوتُ أن رَدَدْتُ عليك بمثل كلامك.

وقال الزبير: جاء إبراهيم إلى باب هشام وقد قام، فأخبره الحاجب بقيامه فقال: أُغلقت دونه الأبواب، وقام بعُذره الحاجب، وبلغ هشامًا فأذن له (٣).

قال عبد الله بن أبي عُبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر: جاء كتاب هشام بن عبد الملك إلى إبراهيم بن هشام المَخْزُومي وهو عامله على المدينة: أن يَحطَّ فَرْضَ آل


(١) في (ب) و (د): إلى أربابه.
(٢) "نسب قريش" ٢٨٣ - ٢٨٤، و"طبقات ابن سعد"٧/ ٣٩٩، و "تاريخ دمشق" ٢/ ٥١١ (مخطوط)، و"التبيين"٣٢٦ - ٣٢٧.
(٣) "تاريخ دمشق"٢/ ٥١٠.