للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشعبي: جرى بين سليمان وعمر بن عبد العزيز كلام، فقال له سليمان: كذبتَ، فقال له عمر: والله ما كَذبتُ منذ شَدَدْتُ إزاري، وقام مُغضَبًا وهو يقول: إن في غير هذا المجلس لنا سَعَةً، وتجهَّز إلى مصر، فأرسل إليه سليمان، فجاء فقال: يابن عَمّ، والله إن المُعاتَبة تَشُقُّ عليَّ، ولكن والله ما أهمَّني أمرٌ قط من ديني ودنياي إلا كنتَ أوّل مَن أذكره له.

وقال الشعبي: دخل عليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين، إني مُكلِّمك بكلام فافهمه، فقال: إنا نجود بسَعَةِ الاحتمال على مَن نرجو نُصحه، ونَأمَنُ غِشَّه، فقال الأعرابي: أما إذْ أَمِنتُ بادرةَ لسانك، ومَغَبَّةَ غضبِك، فإني سأطلق لساني بما خَرَسَتْ عنه الألسنةُ من موعظتك تأديةً لحقِّ الله ولإمامتك، إنه قد اكتَنَفك رجالٌ أساؤوا الاختيار لأنفسهم، وباعوا دينهم بدنياهم، ورضاك بسخط ربهم، ولم يخافوا اللهَ فيك، حربٌ للآخرة، سِلمٌ للدنيا، فلا تأمَنْهم على ما ائتمنك الله عليه؛ فإنهم ضيعوا الأمانة، وعَسفوا الأُمَّة، وأنت مسؤولٌ عما اجَتَرموا، وليسوا بمسؤولين عما اجتَرَمْتَ، فلا تُصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غُبْنًا مَن باع آخرته بدنيا غيره، فقال له سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سَلَلْتَ لسانَك، وهو أَمضى من سيفك، فقال: أجل ولكن لك لا عليك (١).

وقال [أبو القاسم] بن عساكر: كانت دار سليمان بدمشق موضع سقاية جيرون الآن، وبنى دورًا كثيرة مما يلي الباب الصغير موضع الدَّرْب الذي يقال له: درب مُحْرِز، وجعلها دار الإمارة، وبنى فيها قُبَّة صفراء ضاهى بها القبة الخضراء التي بناها معاوية في دار الإمارة.

قال: وكان سليمان فصيحًا، مُؤثرًا للعدل، محبًّا للغزو، وجّه جيشًا إلى القسطنطينية فحصرهم، فصالحوه على بناء الجامع بها.

وكان مقربًا لعمر بن عبد العزيز مستشيرًا له.

وحج بالناس في سنة إحدى وثمانين قبل خلافته، وسنة سبع وتسعين في خلافته.


(١) "مروج الذهب" ٥/ ٤٠٧ - ٤٠٩.