للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: إنه ولد سنة ستين بالمدينة في دار عبد الملك أبيه.

وقال الزبير بن بكّار: جمع عبد الملك بنيه: الوليد، وسليمان، ومَسْلَمة، وقال: ليُنْشدني كلُّ واحدٍ منكم أرقَّ بيت قالته العرب، وقد أجَّلتُكم ثلاثًا، ومن أتاني به فله حُكمه، فخرج سليمان، فرأى أعرابيًّا يسوق إبلًا له وهو يقول: [من البسيط]

لو حُزَّ بالسيف رأسي في مَحبَّتِكم … لمالَ يهوي سريعًا نحوكم رأسي

فرجع إليه، فأنشده إياه فأعجبه وقال: يا بنيّ، سَلْ حاجتَك، ولا تنسَ حظَّ الأعرابي، فقال: يا أمير المؤمنين، إن العَهْدَ ليس بمُقَرِّبٍ أجلًا، ولا تركه بمُباعدٍ حَتْفًا، وقد عَهِدتَ إلى الوليد فاجعلني بعده، فقال: نعم، فأقام عبد الملك الحج بالناس سنة إحدى وثمانين، وعهد إليه، وأعطاه مئة ألف درهم فدفعها للأعرابي (١).

وقال الزبير: كان سليمان لما ولي الخلافة قد عزم على المقام بالبيت المقدس، ونقل إليه أمواله، فبلغه خروج الروم إلى ساحل حمع، وأنهم سَبَوا نساءَّ، فغضب وقال: والله لأَغْزُونَّهم غزاةً أفتح فيها القسطنطينية أو أموت دونها، فأغزى أهل مصر في ألف مركب في البحر إلى القسطنطينية، وقدَّم عليهم عُمر بن هُبَيرة الفَزاريّ، وأغزى أهلَ الشام في عشرين ومئة ألف إليها أيضًا في البرّ، وولّى على الجميع أخاه مَسْلَمة بن عبد الملك.

ثم قدم سليمان دمشق، فصعد المنبر يوم الجمعة وخطب، وأخبر الناس بيمينه التي حلفها على فتح بلد القسطنطينية، وأمرهم بالجَهَاز فتجهَزوا، وخرج الناس من دمشق، وأتى مَرْج دابِق فنزل به، وأقام يُجَهِّز البعوث.

وقال الزبير: كان سليمان من أفصح ملوك بني أمية، وكان شاعرًا، ومن شعره: [من الطويل]

ومن شيمتي ألّا أُفارقَ صاحِبًا … وإن مَلَّني إلا سألتُ له رُشْدا

فإن دام لي بالودِّ دُمتُ ولم أكن … كآخرَ لا يَرعى ذِمامًا ولا عَهْدا (٢)


(١) نقله ابن كثير في "البداية" ١٢/ ٦٤٠ عن ابن عساكر.
(٢) "مختصر تاريخ دمشق" ١٠/ ١٧٦، و"البداية والنهاية" ١٢/ ٦٤٥.