للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الهيثم: كان الحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، وأبو حازم، والزُّهري، وعلماء ذلك العصر وزُهّادُه يدعون لسليمان، ويُثنون عليه ويقولون: افتتح الخلافة بإحياء الصلوات في مواقيتها، ومحا سُنَن الحجاج وسجونه وبِدَعه وما لقي منه الإسلام والمسلمون، ثم ختم خلافتَه باستخلاف العبد الصالح عمر بن عبد العزيز .

وقال عبد الله بن صفوان بن الأهتم: كنت أقوم على رأس سليمان بن عبد الملك، فدخل عليه رجل من حضرموت من حكمائهم، فقال له سليمان: تكلم بحاجتك، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، مَن كان الغالبُ على كلامه النَّصيحةَ وحسنَ الإرادة، أوفى به كلامُه على السَّلامة، وإني أعوذ بالذي أشخصني من أهلي حتى أوفدني عليك أن ينطقني [بغير] الحق، وأن يُذَلِّل لساني لك بما فيه مصلحة لك وللرعية، وإن اقتصارَ الخطبة أبلغُ في أفئدة أولي الفهم من الإطالةِ والتَّشَدُّق في البلاغة، ألا وإن من البلاغة ما يُفهم وإن قلَّ، وإني مُقْتَصر على الاقتصار، مُجتنب لكثير من الإكثار، يا أمير المؤمنين، أشخَصَني إليك والٍ عَسوف، ورَعيَّة ضائعة، فإن تتعجَّلْ تستدركْ ما فات، وإن لم تعجل هَلَكت الرعيةُ ضَياعًا. فغضب سليمان وقال: البريد البريد، فحضر، فبعث عليه رجلًا وقال: لا تنزل من مركبك حتى تَعزلَ الوالي، ومَن كانت له ظُلامة فخُذْ له بحقّه، ثم أمر للحكيم بمال أو جائزة سنيَّة، فأبى أن يَقبلها وقال: يا أمير المؤمنين، أنا أحتَسِب سَفَري على الله، وأكره أن آخذ عليه أجرًا من غيره، ولم يَقبلْه (١).

ذكر بعض خطبه:

[حكى هشام بن الكلبي عن أبيه قال: كان سليمان قد نشأ بالبادية عند أخواله، وكان فصيحًا] خطب يومًا فقال: أيها الناس، اتّخِذوا كتاب الله إمامًا، وارضَوا به حَكَمًا، واجعلوه لكم قائدًا؛ فإنه ناسخ لما قبله، ولن ينسخه كتاب بعده. [قال: فما سمع الناس خطبة أبلغ منها ولا أوجز (٢).]


(١) "تاريخ دمشق" ٨/ ٣٤٠.
(٢) "مروج الذهب"٥/ ٣٩٨ - ٣٩٩، و "العقد"٤/ ٩١ - ٩٢.