فلقيهم مسلمة في أهل الشام، فلم يَنْشبوا أن ظهر عليهم، فلقد مات عمر وفي حبسه منهم عِدة.
وقال البَلاذُري: خرج بِسْطام بن مُرَيّ اليَشْكُرِي في زمن عمر، ولقبه شَوْذَب، فقال لقومه: إن هذا الرجل يأمر بالعدل ويعمل به، فادعوه إلى أمركم، وما أنتم عليه من البراءة من عثمان وعلي ومعاوية، وما حكم به الحَكَمان، وأن لا حكم إلا لله، فكتبوا إليه بذلك، فكتب إليهم:
من عبد الله عمر إلى العصابة الخارجين بزَعْمِهم يلتمسون الحق، أما بعد، فإن الله سبحانه لم يُلَبس على العباد أمورَهم، ولم يتركهم سُدى، ولم يجعلهم في عَمياء، حتَّى أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، فبعث محمدًا ﷺ بشيرًا ونذيرًا، وأنزل عليه كتابًا حَفيظًا؛ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد وقفتُ على كتابكم، وما دعوتموني إليه.
فأمَّا التَّبَرُّؤ من الصّحابة فمعاذ الله، كيف أتبرَّأ من قوم أخبرني الله في كتابه العزيز أنهم سبقونا بالإيمان، وأمرنا أن نستغفر لهم، وسألتموني ردَّ ما حكم به من كان في صدر الأمّة، وقولكم: لا حكم إلا لله، فأقول: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] وقد خاب مَن دُعي إلى الحقّ ولم يُجب.
ثم ختم الكتاب بقوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ الآية [يوسف: ١٠٨] وبعث بالكتاب مع عَوْن بن عبد الله بن عُتبة بن مَسعود الهُذَليّ ومحمد بن الزُّبير الحَنْظَليّ، وقال لهما: ادعوهم إلى الجماعة، وردُّوهم إلى كتاب الله، واضمنا عني ما طلبوا من العمل به.
فلما قَدِما عليهم دفعًا إليهم كتاب عمر، فلما وقفوا عليه قالوا: نبعث إليه برجلين يُكلِّمانه، فإن أجاب فذاك، وإن أبي فالله من ورائه، فقال لهم عون:
أيَّتُها العِصابة، إنا قد أقمنا من كتاب الله ما قد حَفِظنا، وعَمِلنا بما عَلِمنا، فهل عندكم من علم فتُخرجوه لنا؟! قالوا: نعم، نكَفِّر أرباب الذنوب، قال: ولمَ؟ قال: