لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ فقال: أخطأتم في التأويل؛ لأنَّ المراد من الآية الجَحْد، أما التأويل بأن يقع حدٌّ فيَدْرَأه عن صاحبه فليس بكفر، قالوا: فإن عُمَّال صاحبكم يظلمون، وقد قال الله: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] قال: فتولوا أنتم أعماله، قالوا: نعمل له فنَشْرَكه فيما هو فيه؟ قال: فكونوا أُمَناء على العمال، أي عامل عمل بغير الحق فاعزلوه، فقالوا: نبعث معكما رجلين.
فبعثوا معهما رجلًا من بني يَشْكُر، ورجلًا من الموالي يقال له: عاصم، حَبَشيّ، فقوموا على عمر وهو بخُناصِرة في غرفة له، وعنده ابنُه عبد الملك وكاتبه مُزاحِم مولاه، فدخلا على عمر فأخبراه بوصول الرجلين فقال: فتِّشوهما، ففتَّشوهما فلم يجدوا معهما حديدًا، فأذِن لهما.
فدخلا عليه فقالا: السَّلام عليك، فردَّ عليهما وأَذِن لهما بالجلوس، فجلسا، فقال عمر: ما الذي نَقَمتُم علينا؟ فقال عاصم: أخبِرْنا عن قيامك بهذا الأمر، أعن تَراضٍ من الأمة أم ابتزَزْتَهم أمرَهم؟ فقال: ما سألتُهم إياه، ولا غلبتُهم عليه، وإنَّما عهده إليَّ رجل لم أسأله إياه لا في سِرٍّ ولا في علانية، فقمتُ فيه قيامَ مُكْرَه، فلم يُنْكره أحدٌ غيركم.
فقال له اليَشْكُريّ: رأيناك خالفْتَ أهلَ بيتك، وسمَّيتَ أفعالهم مظالم، وسلكتَ غير طريقهم، فإن كانوا على ضلالةٍ وأنت على هُدَى؛ فالعنْهم وتبرأ منهم ونحن موافقوك، فقال عمر: زعمتم أن لَعْنَ الظالمين فريضة، فمتى لعنتُم فرعون؟ فقال عاصم: ما أعلم أني لعنتُه، قال: ففرعون كان أخبثَ العالم ولم تَلْعَنْه، أفألعنُ أنا أهلَ بيتي وهم مسلمون مُصَلّون إن كانوا ظالمين، فكفى بذلك ذَمًّا ونَقْصا، أليس أن أبا بكر سَفَك دماء أهل الردَّة، وأخذ أموالهم، وسبى ذَراريهم؟ قالا: بلى، قال: أليس عمر ردَّ السَّبايا بعده إلى عشائرهم بفِدية، فهل تبرَّأ عمر من أبي بكر؟ قالا: لا، قال: فأنتم تزعمون أن أبا بكر وعمر من أسلافكم، وقد فعلًا ما فعلًا، ولم تتبرَّؤوا منهما، أفأتبرَّأ أنا من أهلي؟ أليس من أسلافكم مَن سفك دم عبد الله بن خَبَّاب، وبقروا بطنَ امرأته، وقتلوا وأخذوا المال؟ قالا: بلى، قال: فهل تبرَّأتم منهم؟ قالا: لا، قال: فأهلي لم