للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحملوه على جَملٍ إلى دَهْلَك، فألبسوه الجُبَّة، وحملوه على الجمل، فلما خرجوا به ومرُّوا على النَّاس أخذ يقول: أمالي عشيرة، أمالي قوم، أيُذْهَب بي إلى دَهْلَك؛ وإنَّما يُذهَب إليها بالفُسَّاق والمحاربين وأهل الريب؟!

فدخل سلامة بن نُعَيم الخَولانيّ على عمر وقال: يا أمير المؤمنين، ارْدُدْ يزيد إلى محبسه، فإني أخاف إن ذُهب به أن ينتزعه قومه، فإني رأيتُهم قد غضبوا، فردَّه إلى الحبس.

وقَدِمت هند بنت المهلَّب على عمر وهو بخُنَاصِرة فقالت: يا أمير المؤمنين، علام حبستَ أخي؟ قال: خفتُ أن يشقَّ عصا المسلمين، قالت: فالعقوبة إنَّما تكون بعد الذَّنب لا قبلَه (١).

وهذه هند ذكرها ابن أبي الدُّنيا في كتاب "الفوائد" قال: ذكرت امرأة عند هند بنت المهلب بجَمَال، فقالت هند: ما تحلَّينَ بحِليةٍ -يعني النساء- أحسن عليهن [من] لُبِّ طاهر تحته أدبٌ كامل.

وقالت: إذا رأيتم النِّعَم مُسْتَدرَّة فبادروها بالشُّكر قبل حلول الزَّوال.

وقالت أم أيوب بن صالح: كُنَّا إذا دخلنا على هند وهي تسبّح باللؤلؤ، فإذا فرغت من التَّسبيح ألقَتْه إلينا وقالت. اقتسمنَه بينكن.

وقالت هند: الطاعة مَقرونةٌ بالمحبَّة، فالمُطيع محبوبٌ وإن نَأَتْ دارُه، والمعصية مقرونة بالبُغض، فالعاصي مَمقوت وإن قَرُبَت دارُه، ومَسَّك مَعروفُه (٢).

وقالت مولاة لهند إنَّها دخلت عليها ذات يوم وهي تقرأ. ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٢١] وتحكي حتَّى غُشي عليها.

وقالت هند: إن للكريم أخلاقًا لا يقدر على تغييرها، وكذا اللئيم.

وقالت: ليس بعد بَذْلِ الوجه غاية، ولا وراءه نهاية.


(١) "تاريخ دمشق" ٤٦٣ - ٤٦٤ (تراجم النساء).
(٢) "تاريخ دمشق" ٤٦٢ - ٤٦٦.