ودَبَّرت هند مَمْلوكًا ثم كرهت بعضَ حالاته، فأرسلت إلى عكرمة مولى ابن عباس تقول: إذا دَبَّر المولى مملوكًا ثم كره بعض أمره؛ أله أن يبيعه ويجعل ثَمنَه في غيره أو في مثله؟ فقال عكرمة: إن كان المكروه منه شيئًا من معاصي الله بيع وجُعل ثمنُه في مثله، وإن كان من مساوئ الأخلاق أقرَّه على أمره. فقالت هند: أخطأ عكرمة، أبعد أن جَرت فيه أسبابُ الحريّة يجوز التصرُّف فيه؟! ما كلُّ العبيد لله مطيع، ثم قالت للمدبَّر: غيِّب وجهَك عني، فأنت حرٌّ لوجه الله.
وهي التي سألت الحسن فقالت: يا أبا سعيد، أينظر الرجل إلى شعر أخته، أو إلى عُنُقها، أو إلى قُرْطها؟ قال: لا ولا كرامة.
وكانت زوجةَ الحجاج، فطلَّقها لما صاحت عند تعذيب أخيها يزيد.
روت عن أبيها المهلَّب، والحسن البصري، وأبي الشَّعثاء جابر بن زيد وغيرهم.
وفيها كانت زلازل بالشام هَدمت الدُّور والقِلاع، فكتب عمر ﵁ إلى الأمصار، وواعدهم يومًا بعينه يخرجون إلى المصلَّى، ثم خرج بنفسه في ذلك اليوم، وخرج معه النَّاس، فدعا وتضرَّع وبكى، فسكنت الزَّلازل.
وفيها عزل عمر بن عبد العزيز ﵁ الجرَّاح بن عبد الله عن خراسان، وولّاها عبد الرحيم بن نُعَيم القُشَيري، فكانت ولاية الجرّاح عليها سنة وخمسة أشهر، قدمها في سنة تسع وتسعين، وفارقها في رمضان سنة مئة، وسبب عزله أنَّه جنى على أهل خُراسان وغلَّظ عليهم، فقدم على عمر جماعة فقالوا: يا أمير المؤمنين، عشرون ألفًا من الموالي يَغزون بلا عطاء، ومثلهم من [أهل] الذّمَّة قد أسلموا يؤخذ منهم الخراج، ثم ولَّيت علينا سيفًا من بقايا سيوف الحَجَّاج، يعمل بالظلم والعدوان.
فكتب إليه عمر: انظر مَن قِبَلَك ممن يُصلِّي إلى القبلة فضع عنه الجزية، فتسارع النَّاس إلى الإسلام، فقيل للجراح: إنما أسلموا تعوُّذًا من الجزية، فامتحنهم بالخِتان، فكتب إلى عمر بذلك، فكتب إليه: إن الله بعث محمدًا ﷺ داعيًا ولم يبعثه خاتنًا، وكتب إليه أن اقدم علينا، فقال الجراح: يا أهل خراسان، إنَّما جئتكم بثيابي هذه التي علي وفرسي، ولم أصب من مالكم شيئًا.