فقال: رأي رأيتُه، وعرفتُ أنك مسؤول عنه، فما تقول؟ فقال أبوه: رحمك الله، وجزاك خيرًا يا بُنيَّ من ولد، فوالله إنِّي لأرجو أن تكون من أعواني على الخير، يا بُنَيّ، إن قومَك شَدُّوا هذا الأمر عُقدةً عُقدة وعُروةً عُروة، ومتى ما أردتُ مُكاثَرتَهم على انتزاع ما في أيديهم؛ لم آمَن أن يَفتقوا عليَّ فَتْقًا تكثُر فيه الدّماء، والله لزَوال الدُّنيا أهونُ عليَّ من أن يُهراقَ بسببي مِحْجَمَةٌ من دم، أو ما ترضى أنَّه لا يأتي على أبيك يومٌ من أيَّام الدُّنيا إلَّا وهو يُميت فيه بِدعة، ويُحيي فيه سُنَّة؛ حتَّى يَحكم الله بيننا وهو أحكم الحاكمين؟
قال ابن أبي عَبْلة: جلس عمر يومًا للناس، فلما انتصف النهار ضَجِر ومَلّ، فقال للناس: مكانَكم حتَّى أنصرف إليكم، ودخل ليستريح ساعة، فجاء ابنه عبد الملك، فسأل عنه فقالوا: دخل، فاستأذن له فقال: يا أمير المؤمنين، ما أدخلك؟ قال: دخلتُ لأستريح ساعة، قال: أوَ أمِنْتَ الموت أن يأتيك ورعيَّتُك على بابك ينتظرونك وأنت مُحتجبٌ عنهم، فقام عمر فخرج إلى النَّاس.
وكان عمر ﵁ يقول: الحمد لله الذي جعل لي مَن يُعينُني على أمر ديني؛ ولدي عبد الملك، ومولاي مُزاحِم.
وقال مزاحم: كان عبد الملك يقول لأبيه: أنْفِذ الحقَّ وإن جاشت بي وبك القُدور، فقال: يا بني لا تَعجَل؛ فإن الله ذَمَّ الخمر في القرآن مَرَّتَين ثم حرَّمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحملهم على الحقِّ جُملة فيَدفعوه وتكون فتنة، فقال: دع عنك هذا، أقم الحقَّ ولو غَلَت بنا المَراجِل.
وقال ميمون بن مِهران: قال لي عمر بن عبد العزيز: إن ولدي عبد الملك آثَرُ وَلَدي عندي، فاستفزَّه لي، ثم ائتني بخبره، فدخلت على عبد الملك، فبينا أنا عنده إذ دخل غلام له فقال: قد أخْلَينا الحمَّام، فقلت له: الحمام لك؟ قال: لا، قلت: فما دعاك إلى طرد المسلمين عنه وتَدخله وحدك، فتكسر على صاحب الحمام غلَّتَه؟! فقال: أما