للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحب الحمام فقد أرضيتُه، قلت: فهذه نفقةُ إسراف يُخالطها كِبر، وما يمنعك أن تدخلَه مع النَّاس فتكون كأحدهم؟ فقال: أكره أن أرى العورات بادية، وأكره أن أؤدِّبَهم على ترك الأزر فيبغون على سلطاننا، أراحنا الله منه، وخلَّصنا كفافًا (١)، فلقد وَعَظْتَني موعظةً أنتفع بها، ووالله لولا شدَّةُ البَرد لما دخلتُه أبدًا، وأقسمتُ عليك أن تَكتُمَ هذا عن أبي؛ فإني أكره أن يَظلَّ طَرفةَ عين واجِدًا عليَّ، ولعل الأجل يحول دون الرِّضى ويستمرُّ سُخطه (٢)، فقلت: فإن سألني هل رأيتَ منه شيئًا تنقِم عليه فيه أفتراني أنْ أكذب (٣)؟! قال: معاذ الله، أليس قد أبديتُ أعذاري إليك؟ فإن سألك فقل: رأيتُ عيبًا فسترتُه؛ فإنَّه لا يسألُك عن تفسيره؛ لأنَّ الله تعالى قد أعاذه من بحث ما ستره الله تعالى.

وقال ميمون بن مِهران: دخلت يومًا على عبد الملك وبين يديه ثلاثة أَقرِصَة وثَريدة، فرقّ له قلبي وقلت: ألا أُكلِّم أباك ليُجري عليك رزقًا واسعًا؟! فقال: والله ما يَسرُّني أن يُجري عليَّ من ماله دون إخوتي الصغار، فكيف يُجري عليَّ من فَيءِ المسلمين؟! وقال ميمون: جمع عمر العلماء والفقهاء وقال: ما تَرون في هذه الأموال التي أخذها بنو أميَّة غَصْبًا؟ فقالوا قولًا لم يُحجب عمر، وعبد الملك حاضر فقال: إن لم تردَّها إلى أربابهما كنتَ شَريكًا لمن أخذها، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل لي وزيرًا من أهلي عبد الملك ابني، قال ميمون: وكان النَّاس يَرونه أهلًا للخلافة.

ذكر وفاته:

قال الواقدي: مات عبد الملك في حياة أبيه سنة مئة وعمره تسع عشرة سنة، وكان شديدَ الورَع، كثيرَ العبادة.

وقال هشام بن محمد: ابن ست عشرة سنة.


(١) كذا، وفي "تاريخ دمشق" ٤٣/ ١٧١ - ١٧٢: وكرهت أدبهم على الأزر فينعون ذلك علي سلطانًا خلصنا الله منه كفافًا.
(٢) في النسخ: يحول دون سخطه ويستمر الرضى، وفي "تاريخ دمشق": يحول دون الرضا مما فيه سخطه.
(٣) في "تاريخ دمشق": أتامرني أن أكذب.