للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقدم الأحوص الشاعر دمشق، فبعثت إليه حَبَابة تقول: ليس في يزيد أمل لأحد، ولا لي، ولا لك؛ ما دام على هذه الحالة، فانظم شيئًا لعله إذا سمعه يعود إلى ما كان عليه، فعمل الأحوص وقال:

إذا كنت عِزِّيفًا (١) عن اللهو والصِّبا … فكُنْ حَجَرًا من يابسِ الصَّخْرِ جَلْمَدَا

فما العيشُ إلَّا أن تلذَّ وتشتهي … وإنْ لامَ فيه ذو الشَّنانِ (٢) وفنَّدا

وبعث بهما إلى حَبَابة، فحفظتهما. وخرج يزيد يُريد صلاة الجُمعة، فمرَّ بحجرة حَبَابة، فسمعها تغنِّي بهما، فوقف، وقال: سبحان الله. فغنَّتْ ثانيًا، فقال: مه، لا تفعل، فلما غنَّت الثالثة نقضَ عِمامتَه وقال: مُرُوا صاحبَ الشرطة أن يصليَ بالنَّاس الجمعة. ثم جلس عندها وقال: هذا الشعر؛ لمن؟ قالت: للأحوص. فاستدعاه، ونادمَه ووصلَه، وانهمك على لهوه، وأشاع الفساد، وأظهر القبائح، وأعلن بشرب الخمر والمعازف، فدخل عليه مسلمة بن عبد الملك، فلامه وقال: أنت قريبُ العهد من عمر، وببابك الوفود والأشراف، وقد انهمكتَ على هذه الإماء. فقال له يزيد: إنِّي لأرجو أن لا تعاتبني بعد اليوم. وهجرَ القِيان إلى أن توجَّه مسلمةُ إلى العراق لقتال آل المهلَّب، ثم عاد إلى ما كان عليه، وكان يلعن مسلمةَ ويقول: حرمَني لذَّاتي، وكان يقول ويكرّر قول الأحوص:

وإنْ لامَ فيه ذو الشَّنانِ وفنَّدا

وبقول: واللهِ لا أُطيعُهم أبدًا (٣).

وفيها ولَّى يزيدُ بنُ عبد الملك عبدَ الرحمن بنَ الضحَّاك بن قيس الفِهْريّ المدينةَ، وعزلَ عنها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فقدمَ المدينةَ يومَ الأربعاء لليالٍ بقين من شهر رمضان، فدخلَ عليه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْم، فسلَّم عليه، فلم يَرَ منه إقبالًا.


(١) كذا روايته في "المنتظم" ٧/ ٦٥. وروايته في "الأغاني" ١٥/ ١٣٢، و "مروج الذَّهب" ٥/ ٤٤٨، و "مختصر تاريخ دمشق" ٧/ ٢٢٩ (ترجمة حبابة): عِزْهَاةً، وهما بمعنى. وفي "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٠٥: مِعْزافًا.
(٢) الشَّنان، كسحاب، لغة في الشَّنآن، وهو البُغض. ينظر "القاموس".
(٣) إضافة إلى المصادر المذكورة آنفًا، ينظر "تاريخ دمشق" ١٨/ ٣٣٧ - ٣٤٣ (مصورة دار البشير).