للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكرنا واقعته مع عمر بن عبد العزيز ومناظرته إياه، وأنَّه ارتفع إلى أرض أرمينية مدة حياة عمر ، ولم يُقاتله، فلما مات عُمر أراد عبدُ الحميد بنُ عبد الرحمن العاملُ على الكوفة أن يحظى عند يزيد بن عبد الملك، فكتب إلى محمد بن جرير يأمرُه بمحاربته.

وعلم شَوْذَب، فأرسل إلى ابنِ جرير يقول له: ما الذي أعجلكم؟! أمات الرجلُ الصالحُ عُمر؟ ولم يعلم شَوْذَب بموته.

قالت الخوارج: ما فعل هذا إلَّا وقد مات عُمر.

وقال شَوْذَب: قد بَعَثْنا إلى عمر رسولين، فاصبروا حتَّى يرجعا. فلم يمهلهم (١) ابنُ جرير، وقاتلَهم في جيش من أهل الكوفة، فأكثرت الخوارجُ فيهم القتل، فولَّوْا منهزمين، وجُرح محمد بن جرير في عجزه، وهرب، فما ردَّه إلَّا أخصاص (٢) الكوفة، وشَوذَب في أثره.

ثم عاد شَوْذَب إلى مكانه، وعاد إليه رسولاه اللذان كانا عند عُمر بن عبد العزيز، فأخبراه بوفاته.

وجاءه رسولُ عبد الحميد بن عبد الرحمن (٣) يقول: إن يزيد بن عبد الملك لا يقارُّكم على ما قارَّكم (٤) عليه عمر بنُ عبد العزيز. ووجَّه إليهم تميم بنَ الحُباب في ألفين، فلما سمعوا رسالتَه لعنوا يزيد وبني أميَّة، فحاربهم تميم، فقتلوه، وهزموا أصحابَه.

فجهَّز إليهم عبدُ الحميد جيوشًا وهم يهزمونها، فجهَّز إليهم مسلمة بنُ عبد الملك سعيدَ بنَ عمرو الحَرَشيّ، -وكان شجاعًا- في عشرة آلاف، فأتاهم ما لا قِبَلَ لهم به،


(١) في (خ) و (د) (والكلام منهما): يمهل. وأثبتُّ اللفظة على الجادة. وينظر "تاريخ" الطبري ٦/ ٥٧٦.
(٢) جمع خُصّ، وهو بيت من شجر أو قصب. وعبارة الطبري: والخوارج في أعقابهم تَقْتُلُ حتَّى بلغوا أخصاص الكوفة.
(٣) في (خ) و (د) (والكلام منهما): عبد الحميد بن عبد الجبار، وهو خطأ. وهو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب والي الكوفة. وسلف ذكره قريبًا. ينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٦٧ و ١٥٧.
(٤) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٥٧٦: فراسلهم وأخبرهم أن يزيد لا يفارقهم على ما فارقهم …