للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان شَوْذَب في نفر يسير لم يبلغوا المئة، فلما جاءهم سعيد قال شَوْذَب لأصحابه: مَنْ كان يريد اللهَ فقد جاءته الشهادة، ومن كان إنَّما خرج للدنيا فقد ذهبت الدُّنيا، وإنَّما البقاء في الدار الآخرة. وكسرَ جَفْنَ سيفِه، وكسروا أغماد سيوفهم، وحملوا على سعيد فكشفوه مرارًا حتَّى خاف العار والفضيحة، فصاح بأصحابه: ويحكم، مِن هذه الشرذمة تفرُّون! لا أبا لكم، يا أهل الشام يومًا كأيَّامكم.

فحملوا عليهم بأسرهم، فطحنوهم، وقتلوا شَوْذبًا وأصحابَه، ولم يُفلت منهم أحد (١).

وقال أبو اليقظان: لم يقاتل أحدٌ قتال بِسطام، فبينا أهلُ الشام قد انكشفوا؛ جاءه سهمُ غرْبٍ (٢)، فذبحه، وتعلَّق أصحابُه برؤوس الجبال، ورجع سعيد وقد قتل معظم أصحابه، وقتل الرَّيَّان بن عبد الله اليشكري، وكان من فرسان شَوْذَب، وقال أخوه شمر (٣) بن عبد الله يرثيه:

ولقد فُجِعتُ بسادةٍ وفوارسٍ … للحرب سُعْرٍ من بني شيبانِ

اِغتالهم (٤) ريبُ الزمان فغالهم … وتُركْتُ فردًا غيرَ ذي إخوانِ

كَمِدًا تَجرجرُ (٥) في فؤادي حسرةٌ … كالنارِ من وجدي على الرَّيَّانِ

وفواسٍ باعوا الإله نُفوسَهم … من يشكرٍ عند الوَغَى فرسانِ

وقال حسَّان بن جَعْدة يرثيهم:

يا عينُ أذرِي دموعًا منكِ تَسْجَاما … وابْكي صحابةَ بِسْطامٍ وبِسْطامَا

فلن تَرَي أبدًا ما عشتِ بعدَهمُ … أتقى وأكملَ عند اللهِ أحلامًا

أفديهمُ إذْ تأسَّوا عند شدَّتهمْ … ولم يريدوا عن الأعداء إحجامًا

حتَّى مضَوْا للذي كانوا له خرجُوا … وأورثونا حَزَازاتٍ وآلاما


(١) "تاريخ الطبري" ٦/ ٥٧٥ - ٥٧٧. وينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ١٥٨ - ١٥٩.
(٢) سهم غرب، وسهمٌ غَرْبٌ: لا يُدرى راميه. وتحوفت كلمة "غرب" في النسختين (خ) و (د) (والكلام منهما) إلى: غابر.
(٣) في (خ) و (د): سمرة. وهو خطأ.
(٤) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٥٧٧: اعْتَاقَهم (يعني عاقَهم).
(٥) في المصدر السابق: تَجَلْجَلُ.