للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوَّلُ كتاب كتبه عمر إلى عبد الحميد كان سطرًا واحدًا: أما بعد، إذا أتاك كتابي فأعْطِ كل ذي حق حقَّه. والسلام. فكتب إليه عبد الحميد: إن رجلًا سبَّك، فحبستُه، وقد هممتُ أن أضربَ عنقه، فما ترى فيه؟ فكتبَ إليه: لو قتلتَه لأقَدْتُك به، إنه لا يُقتل إلا مَنْ سبَّ رسولَ الله ، فاسْتَتِبْه، وخَلِّ سبيلَه (١).

وقال محمد بن الزُّبير الحنظلي: دخلتُ على عمر بن عبد العزيز وهو يتعشَّى كِسَرًا وزيتًا، فقال: ادْنُ فكُلْ. فقلت: بئس طعام المقرور (٢). فأنشد عُمر:

إذا ما ماتَ مَيْتٌ من تميمٍ … فَسَرَّكَ أنْ يعيشَ فَجِئْ بِزادِ

بخبزٍ أو بلحمٍ أو بتمرٍ … أو الشيءِ الملفَّفِ في البِجادِ (٣)

[ثم أنشدني بيتًا ثالثًا:]

تراه ينقل البطحاء شهرًا … ليأكلَ رأسَ لقمانَ (٤) بنِ عادِ

[قلت: والبيت الأول حكاية جرت لمعاوية، وقد ذكرناها في سيرته]

فقلت: يا أمير المؤمنين، ما كُنْتُ أرى أنَّ البيت الثالث فيها. قال: بلى.

وقال محمد التيمي: إن عمر بن عبد العزيز لما وليَ منع قرابته ما كان يجري عليهم، وأخذَ منهم القطائع التي كانت في أيديهم، فشَكَوْه إلى عمَّته أمِّ عمر، فدخلت عليه فقالت: إنَّ قرابتك يشكونك ويزعمون أنك أخذتَ منهم خير غيرِك. فقال: ما منعتُهم حقًّا كان لهم، ولا أخذتُ منهم شيئًا كان لهم. فقالت: إني رأيتُهم يتكلَّمون، وأخاف أن يهيجوا عليك يومًا عصيبًا. فقال: كلُّ يوم أخافُه دونَ يوم القيامة فلا وقاني اللهُ شَرَّه. ثم دعا بدينار وجَنْب ومجمرة، فألقَى الدينارَ في النار، وجعلَ ينفخُ على الدينار، فلما احمرَّ تناولَه بشيء، فألقاه على الجَنْب، فنَشَّ وقَتَرَ، وقال: أي عمَّة، أما


(١) طبقات ابن سعد ٧/ ٣٦٠ دون قوله أول الخبر: وأولُ كتاب كتبَه … إلى قوله: والسلام. وكذا في (ص).
(٢) الرجل المقرور: الَّذي أصابه البرد.
(٣) البِجاد: كساء مخظَّط من أكسية العرب. والملفَّف في البِجاد: وَطْب اللبن (أي: سِقاء اللبن). وينظر "أدب الكاتب" ص ١٥، و"بهجة المجالس" ١/ ١٠٨.
(٤) في (ب) و (خ) و (د): شداد، بدل: لقمان. والمثبت من المصادر. ولقمان بن عاد وشداد بن عاد كلاهما من ملوك حمير في اليمن … ولم يرد هذا البيت (الثالث) في (ص)، وما قبله وما بعده بين حاصرتين منها. والخبر في "طبقات" ابن سعد ٧/ ٣٦٣.