للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالبَلْقاء، فأقامه للنَّاس، فما تظلَّم منه أحد، إلَّا رجلٌ من أهل المدينة قال: لطَمَني لطمةً بالعراق، فأقادَه سليمانُ منه.

وقيل: إنما أقامه على درج دمشق، فمرَّ به جرير فقال:

كم في وعائك منَ أموالِ مُوتِمةٍ … شُعْثٍ صغارٍ وكم خَرَّبْتَ من دارِ (١)

فلما رأى سليمان أن أحدًا لا يتبعه بمظلمة؛ قرَّبه وأدناه.

وكان عُمر بن عبد العزيز يُبغصْه، فقال لسليمان: لا تستكتبه، فإنَّه بقايا الظلم والجبروت.

وخرج يزيدُ في بعث، فردَّه عمر بنُ عبد العزيز، وقال: ليس بمثل هذا يُستعانُ به على عدوِّ المسلمين، واللهِ لا نُصر جيش كان فيهم سيَّاف الحجاج أبدًا.

ونقصَه عُمر من العطاء، كان في ألفين؛ فردَّه إلى الثلاثين، فلما تُوفِّي عمر ولاه يزيد بن عبد الملك إفريقيَّة، فسار فيهم بسيرة الحجَّاج، وكان قوم من الرُّسْتاق (٢) قد أسلموا وسكنوا الأمصار، فأعادهم إلى قُراهم ووضع عليهم الجزية، فقتلوه، وولَّوْا عليهم محمَّد بنَ يزيد الأنصاريَّ، وكان واليًا عليهم قبلَه، وكان يزيدُ قد حبسَه، فأخرجُوه، وكتبوا إلى يزيد بنِ عبد الملك: إنَّا لم نخلعْ يدًا من طاعة، ولكن يزيد سارَ فينا بالذُّل والهَوَان والعَسْف والسفك، فقتلناه، وولَّينا محمَّد بنَ يزيد الأنصاريّ، وقد أعْذَرْنا إليك.

فكتب إليهم يزيد: إنِّي لم أرضَ بما فعل، يزيد، وقد أقررتُ محمدًا على إفريقيَّة، والسلام (٣).

وهذا محمَّد بن يزيد الذي اختاره أهلُ إفريقيَّة أصلُه من البصرة، وهو مولى الْأَنصار؛ قدم الشَّام فاستكتبه عبدُ الملك بنُ مروان، وكان في صحابة سليمانَ وعمرَ بنِ عبد العزيز.


(١) تاريخ دمشق ١٨/ ٣٨٨ (مصورة دار البشير). وينظر "مختصره" ٢٨/ ١٧. قوله: مُوتمة: أي تُوفِّي زوجها، فصار ولدُها يتيمًا.
(٢) كلمة معرَّبة، يعني الموضع الذي فيه زراعة وبيوت مجتمعة.
(٣) بنحوه في "تاريخ" الطبري ٦/ ٦١٧، و"تاريخ دمشق" ٦٥/ ٢٩٧ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة محمَّد بن يزيد الأَنْصَارِيّ). وينظر "المنتظم" ٧/ ٨١.