للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المدائني: كتب الحجَّاج إلى عبد الملك يُشير عليه أن يستكتبَ محمَّد بنَ يزيد الأَنْصَارِيّ وقال: إن أردتَ رجلًا عاقلًا فاضلًا مسلمًا مأمونًا كتومًا تتَّخذُه لِسِرِّك ونفسك؛ فعليك بمحمد. فاستكتبه عبدُ الملك.

ثم إن عبد الملك استشارَه مَنْ يولِّي بعده، فقال: الوليد ثم سليمان. وبلغ الوليدَ، فحقَدَها عليه حيث أشار لسليمان (١)، فلم يولِّه شيئًا أيامَ خلافته. فلما وليَ سليمان بعثه إلى العراق، فأطلقَ مَنْ كان في سجون الحجَّاج، وفيهم يزيد الرَّقَاشيّ، ويزيد الضَّبيّ، وعابدة من أهل البصرة، وكساهم، وأحسنَ إليهم، وحبس يزيدَ بنَ أبي مسلم، وحمله إلى الشَّام (٢).

وولَّى سليمانُ بنُ عبد الملك محمدًا إفريقيَّة، فأقام بها أيامَ سليمان، وأقرَّه عمر بن عبد العزيز، فلما وَلِيَ يزيدُ بن عبد الملك ولَّى يزيدَ بنَ أبي مسلم إفْرِيقِيَّة.

قال محمَّد: فلم أشعر بيزيد بن أبي مسلم إلَّا قد قدم واليًا، فأخذني، وعذَّبني عذابًا أليمًا حتَّى كسر عظامي. قال: فأُتيَ بي يومًا إليه، فعذَّبني، وكان عند المغرب، فقلتُ: ارحمني! فقال: التمسِ الرحمةَ عند غيري، والله لو أن مَلَكًا عند رأسي لأقتلنَّك (٣).

[قال:] فقلت: اللهمَّ اذكُر لي ما كان منِّي إلى أهل (٤) الدِّيماس -يعني الحَبْس (٥) - اللهم اذكُرْ لي يزيد الرَّقاشيّ، وفلانًا وفلانًا.

وأُقيمت صلاةُ المغرب فقال: أَخرجُ فأُصلِّي وأعود إلى عذابك. وخرجَ فلمَّا سجدَ وثبَ عليه قومٌ من البربر، فقتلوه، وولَّوْني إفْرِيقِيَّة (٦).

وقال الشعبيّ: كان يزيدُ بنُ أبي مسلم يرى رأي الخوارج الصُّفْريَّة، كما كان الحجَّاج يرى رأيَهم ويُخفيه؛ أُتيَ الحجَّاج بامرأة منهم، فجعل يكلِّمها وهي معرضةٌ


(١) يعني لم يشر أن تكون الخلافة لأبناء الوليد من بعد الوليد. ينظر "تاريخ" الطبري ٦/ ٤١٤ - ٤١٥، و"تاريخ دمشق" ٦٥/ ٢٩٤ - ٢٩٥.
(٢) من قوله: ولما مات الحجاج أقرَّه الوليد (أول الترجمة) … إلى هذا الموضع، ليس في (ص).
(٣) في "تاريخ دمشق" ٦٥/ ٢٩٦: لو رأيتُ ملك الموت عند رأسك لبادرتُه نفسَك.
(٤) في (ص): لأهل. وكلمة (قال) السالفة بين حاصرتين منها.
(٥) دِيماس: سجنٌ كان للحجاج بواسط. معجم البلدان ٢/ ٥٤٤.
(٦) تاريخ دمشق ٦٥/ ٢٩٥ - ٢٩٧ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة محمَّد بن يزيد الأنصاري).