للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء يزيد فنزل العَقْر وسُورا (١)، وجاء مَسْلَمةُ فنزلَ مُقابِلَه، فأقاموا ثمانية أيام، وكان عبد الحميد بنُ عبد الرَّحْمَن قد بَثَقَ المياه بين يزيد والكوفة (٢)، وبعث بجيوش الكوفة إلى مسلمة، وأقام القتال يعمل بينهم.

وقال رجل ليزيد: السلام عليك يَا أمير المُؤْمنين وهو واقف في صف القتال، فأنشد:

رُوَيدَكِ حتَّى تنظري عمَّ ينجلي … غَيَابَةُ هذا العارضِ المتألِّقِ (٣)

فلما طلع الفجر يومَ الجمعة لأربع عشرةَ ليلةً مضت من صَفَر سنة اثنتين ومئة؛ خرجَ مسلمةُ والعبَّاس، فصَفَّا النَّاسَ، وجعل مسلمةُ على ميمنة أهلِ الشَّام الهُذَيل بن زُفر الكلابي، وعلى الميسرة القعقاع بن خُليد العَبْسي (٤)، ووقفَ هو والعبَّاسُ في القَلْب، وجعلَ يزيدُ على ميمنته حبيبَ بنَ المهلَّب، وعلى ميسرته المفضَّل بنَ المهلَّب، وأقام هو وإخوتُه في القَلْب.

وكان يزيد قد ترك الجسر وراءه -وهو من السُّفن- ليحتميَ به، فأمر مسلمةُ الوضَّاحَ مولى عبد الملك بنِ مروان، فأحرقَ السُّفن.

ولمَّا رأى أصحابُ يزيد الجسرَ قد أُحرق؛ وهنُوا وانهزموا، فقيل ليزيد: قد انهزموا. فقال: وهل كان قتالٌ؟! قالوا: لا، ولكن قد أُحرقَ الجسر، فلم يقف أحدٌ (٥).

فقال: قاتلَهم اللهُ، بَقٌّ دُخِّنَ عليه فطار.


(١) موضعان من أرض بابل بالعراق. ينظر "معجم البلدان"٣/ ٢٧٨ و ٤/ ١٣٦.
(٢) أي: كسرَ شطَّ الأنهار بينهما، فجعل المياه تفيض منها لئلا يصل يزيد بن المهلب إلى الكوفة. وينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٦٥ و ٢٧٢، و"تاريخ" الطبري ٦/ ٥٩٢ - ٥٩٣.
(٣) كذا في "شرح الحماسة" للتبريزي ١/ ١٩٠ - ١٩١. وفيه: عماية، بدل: غيابة. وجاء في "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٧٣ أن يزيد بن المهلب قال البيت لجاريته بسَّامة حين دخلت عليه وقد تهيَّأت، (وفيه: غمامة، بدل: غيابة). وذكر ابن الأثير البيت في "المثل السائر" ١/ ٣٧٦ وقال: العارض المتألّق استعارة للحرب، أو الذي أطلّ بمكروهه، كالبارق المتالّق.
(٤) كذا في "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٦٧. وفيه بعض اختلاف عما جاء في "تاريخ" الطبري ٦/ ٥٩٥.
(٥) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٥٩٥: فلم يثبت أحد.