للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يزيدُ بن المهلَّب ولَّى وداعَ بنَ حُميد الأزديَّ على قَنْدابيل (١)، وقال له: إنِّي سائرٌ إلى هذا العدوّ، فإن ظفِرتُ به أكرمتُك، وإن كانت الأخرى؛ فإذا قدمَ عليك أهلُ بيتي تحصَّنوا بقَنْدابيل حتَّى يأخذوا أمانًا لأنفسهم، وإني قد جعلتُك موضع الأمانة فحقِّقْ حسن ظنِّي فيك. وأخذَ عليه العهود والمواثيق.

فلما وقعت هذه الوقعة وركبَ آلُ المهلَّب في السفن بعيالاتهم ومرُّوا بمهزم بن الفزر (٢) العَبْديّ، وكان يزيدُ استعملَه على البحرين، فاستشاروه، فقال: اللهَ اللهَ، لا تفارقوا هذه السفن، ففيها بقاؤُكم، وإنْ خرجتُم منها تخطَّفَكم النَّاس، وتقرَّبوا بكم إلى بني مروان.

ومضَوْا حتَّى إذا كانوا بجبال كَرْمان خرجوا من السفن، وحملوا أهلهم وعِيالهم وأموالهم على الدوابّ، وكان معاويةُ بن يزيد لما وصلوا إلى البصرة أراد أن يتأمَّر على آل المهلَّب، فقالوا: أميرُنا وكبيرُنا المفضَّل، وأنت غلامٌ حَدَث، فوَلَّوْا عليهم المفضَّل، وخرجوا إلى كَرْمان وبها فُلول من أصحاب يزيد، فاجتمعوا إلى المفضَّل.

وبعث مسلمة بنُ عبد الملك مدرِك الضَّبّيّ (٣) في طلب آل المهلَّب، فأدركهم بفارس في عَقَبةٍ، فعطفوا عليه، واقتتلُوا قتالًا شديدًا، فقُتل ممن كان مع المفضل جماعة، منهم النُّعمان بن إبراهيم بن الأشتر، ومحمَّد بن إسحاق بن محمَّد بن الأشعث، وأُخذ ابنُ صُول ملك قُهِسْتان (٤) أسيرًا، وأُخِذت سُرِّيَّةُ المفضَّل العالية، وجُرح عثمان بن إسحاق بن محمَّد بن الأشعث جراحةً شديدة، فهرب إلى حُلوان، فدُلَّ عليه، فقُتل، وحُمل رأسه إلى مَسْلَمةَ بالحِيرة.

ورجع ناسٌ من أصحاب يزيد، فطلبُوا أمانَ مَسْلَمةَ، فأمَّنَهم، منهم مالك بن إبراهيم بن الأشتر، والزَّرْد (٥) بن عبد الله بن حبيب السَّعْديّ التَّمِيمِيّ، وكان قد شهد مع عبد


(١) مدينة بالسِّنْد. معجم البلدان ٤/ ٤٠٢.
(٢) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٦٠٠: هرم بن الفرار.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٦٠١: مدرك بن ضَبّ الكلبي.
(٤) في (خ) (والكلام منها): دهقان. والمثبت من "تاريخ" الطبري. وقُهِسْتان: معرَّب كوهستان، ومعناه: موضع الجبال. ويطلق هذا الاسم على أكثر من موضع من بلاد العجم، والمشهور به الجبال التي بين هَراة ونيسابور. ينظر "معجم البلدان" ٤/ ٤١٦.
(٥) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٦٠١: الورد. وكذا في المواضع التالية.