للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما وُضع رأسُ يزيد بنِ المهلب بين يدي يزيد بن عبد الملك نال منه بعضُ الحاضرين، فقال يزيد: مَهْ، إنه طلبَ جَسيمًا، وركبَ عظيمًا، ومات كريمًا (١).

وكان مَسْلَمةُ قد حبسَ الأسرى عند محمَّد بن عَمرو بن الوليد بالكوفة، وكان على شرطته العُريان بن الهيثم، وجاء كتاب يزيد بن عبد الملك إلى محمَّد بن عَمرو: اضربْ أعناقَهم، وهم يقولون: هذا واللهِ جزاؤُنا، نحن انهزمنا بالنَّاس. فما هو إلَّا أَنْ فرغَ منهم وجاء كتابُ مَسْلَمة أن لا يعرضَ لهم بسوء، وكان الأسرى من تميم (٢).

وأمَّا المفضَّل؛ فإنَّه مضى على حميَّة إلى واسط، وبلغَ معاويةَ بنَ يزيد بنِ المهلب قَتْلُ أَبيه وأعمامِه وإخوته -وكان قد قُتل مع يزيد أولادُه محمَّد، وعبد ربّه، والحجَّاج- فأخرج معاوية بن يزيد ثلاثين (٣) أسيرًا كانوا عنده، فقتلَهم، منهم عديُّ بن أَرْطاة، ومحمَّد بن عديّ بن أَرْطاة، ومالك وعبدُ الملك ابنا مِسْمَع، وعبد الله بن عزرة البصريّ، وعبد الله بنُ دينار مولى بني عامر، والقاسم بن مسلم مولى بني بكر بن وائل.

ولما أخرجهم ليضرب أعناقهم قالوا له: ويحك! إن أَبَاك قد قُتل، ونحن ما قتلنا أحدًا، وقَتْلُنا ليس بنافعك، بل يضرُّك في الدنيا والآخرة. فلم يلتفت، وقتلَهم إلَّا ربيعَ بن زياد بن الرَّبيع بن أنس بن الرَّيَّان، فقيل له: نسيتَه؟ قال: لا، ولكنه شيخٌ من قومي، وله شرف ومعروف وبيت عظيم، ولست أَتَّهِمُه في وُدّ، ولا أخافُ بغيَه. وأطلقَه.

وقال ثابت قُطنة في قتل عديِّ بنِ أرطأة:

ما سَرَّني قَتْل الفَزَاريِّ وابنِهِ … عديٍّ ولا أحْبَبْتُ قَتْلَ ابنِ مِسْمَعِ

ولكنَّها كانَتْ مُعَاويَ زَلَّةً … وضعتَ بها امْرَءًا (٤) على غيرِ مَوْضِعِ

ثم سار معاويةُ بنُ يزيد إلى البصرة بالأموال والخزائن، ولحقه المفضَّل، واجتمع آل المهلب كلُّهم بالبصرة، وأعدُّوا السفن للهرب إلى كَرْمان (٥)، فركبوا البحر، وقد


(١) العقد الفريد ١/ ٣٠٣، ووفيات الأعيان ٦/ ٣٠٧. وبنحوه في "أنساب الأشراف" ٧/ ٣٠٤.
(٢) تاريخ الطبري ٦/ ٥٩٨ - ٥٩٩. وينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٧٥ - ٢٧٦.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٥٩٩، و"الكامل"٥/ ٨٤: اثنين وثلاثين.
(٤) في (خ) و"تاريخ" الطبري ٦/ ٦٠٠: أمري. والمثبت من "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٧٥.
(٥) كَرْمان: ناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان. ينظر "معجم البلدان" ٤/ ٤٥٤.