للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يده إلى عبد الواحد وهو بالطائف: سلامٌ عليك، أمَّا بعد، فإنِّي قد ولَّيتُك المدينةَ، فإذا جاءك كتابي هذا فسِرْ إليها، واعزِل ابنَ الضَّحَّاك، وأغرمهُ أربعين ألفَ دينار، وعذِّبْه حتى أسمعَ صوتَه وأَنا على فراشي. والسلام.

وسار البريدُ بالكتاب، فقدمَ المدينةَ، ولم يدخل على ابن الضحاك، فارتاب به، وبعث إلى البريد بألف دينار وقال له: لك عهدُ الله عليَّ وميثاقُه إنْ أنتَ أخبرتَني لا أُخبِرُ أحدًا وإنَّ هذه لك، فأخبره، فاستنظره ثلاثًا، وخرج ابنُ الضحاك إلى مَسْلَمة، فاستجارَ به، فكلَّم فيه يزيدَ بنَ عبد الملك، فقال: واللهِ لا أُجيرُه أبدًا وقد فعل ما فعل، ردُّوه إلى المدينة، فردُّوه.

فأخذَه عبدُ الواحد، فعذَّبه عذابًا شديدًا، وأغرمَه أربعين ألف دينار (١).

قال عبد الله بن محمد: فلقد رأيتُه بالمدينة وعليه جُبَّةُ صوف وهو يسأل الناس، ولم يزل على أسوأ حال.

وكتب يزيد إلى فاطمة يعتذرُ إليها وشمألُها حوائجَها، فلم يكن ليزيد بن عبد الملك مَنْقَبةٌ مثلُ هذه.

قال الواقدي: وكان عَزْلُ ابن الضَّحَّاك عن المدينة النصف من ربيع الأول، وأقام واليًا عليها ثلاث سنين، وكان قد أساء إلى أهلها، وفعل بابن حزم ما فعل، فسُرَّ الناسُ بما جرى عليه. وقَدِمَها عبدُ الواحد النَّصْري يومَ السبت للنصف من شوال هذه السنة (٢).

قال الزُّهري: قلت لعبد الرحمن بن الضحَّاك لما وَليَ المدينة: إنك قادمٌ على قوم يُنكرون كلَّ شيء خالفَ فعلَهم، فالْزَمْ ما أجمعوا عليه، وشاور القاسم بنَ محمد، وسالم بنَ عبدْ الله، فإنهما لا يأْلُوانِكَ رُشْدًا. فلم يأخذ بشيء من ذلك، وعادَى الأنصار طُرًّا، وضرب أبا بكر بنَ حَزْم ظلمًا وعدوانًا في باطل، فما بقيَ منهم شاعرٌ إلا هجاه، ولا صالحٌ إلا عابَه وأتاه بالقبيح، ووليَ المدينةَ عبدُ الواحد بنُ عبد الله


(١) تاريخ الطبري ٧/ ١٢ - ١٤.
(٢) يعني سنة (١٠٤). وعبد الله بن محمد: هو ابنُ أبي يحيى المعروف بسَحْبَل من رجال "التهذيب" روى عنه الواقدي هذا الخبر كما في المصدر السابق.