للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا (١) معشرَ الحُسَّادِ مُوتُوا كَمَدا … كذا نكونُ ما حَيِينا أَبَدا

وإذا بغدير ماء، وسَرْحٍ كثيرِ المواشي (٢) من الإبل والبقر والغنم والخيل، وحول القصر قصورٌ مستديرة، فقلت لأصحابي: لو وضعنا رحالنا واسترَحْنا. فنزلوا.

وأقبلَ قوم من القصر الأبيض على أعناقهم البُسُط، فبسطوا لنا، ثم مالوا علينا بأطايب الطعام وألوان الأشربة، فاسترَحْنا وأَرَحْنا.

ثم نهضنا للرحلة، فإذا قوم قد أقبلوا فقالوا: إنَّ سيِّد هذه القرية يُقرئُكم السلام ويقول: اعذروني على تقصير إنْ كان منِّي، فإني مشغولٌ بعُرْسٍ لنا، وإنْ أحببتُم فأقيموا. فدعَوْنا له.

ثم عمدوا إلى ما بقيَ من ذلك الطعام، فملؤوا به سُفَرَنا (٣)، ومضَينا لشأننا.

ثم عبَرَتْ برهةٌ من الدهر، فأوفدني معاويةُ في عَشَرة من العَرَب إلى اليمن ليس معي أحدٌ ممن كان في ذلك الوفد، فلما قَرُبْنا من القرية أخذتُ أحدّثُهم حديثَها وما جرى لنا مع أهلها.

ثم انتهينا إلى القرية، فإذا هي دكادك وتُلول، والقصورُ خَرابٌ، ما يَبِينُ منها إلا الرُّسوم، والغديرُ ليس فيه قطرةٌ من الماء، وليس هناك داعٍ ولا مُجيب.

فبينا نحن وقوف نتعجَّب؛ إذْ لاحَ لنا شخصّ من ناحية القصر الأبيض، فقلت لبعض الغلمان: انطلق حتى نستبرئ ذلك الشخص، فذهب، فما لبثَ أن عادَ مرعوبًا، فقلتُ له: ما وراءك؟ فقال: أتيتُ ذلك الشخص، فإذا عجوزٌ عمياء، فراعتني، فلما سمعَت حِسِّي دَرَجَتْ حتى دخلَتْ في فِناء القصر (٤).

قال النعمان [بن بشير]: فأتيتُ إليها وقد توارَتْ بالتلّ، فقلت: مَنْ أنتِ؟ فقالتْ بصوت ضعيف: أنا عَمِيرة بنت دويل سيِّد هذه القرية في الزمن الأول. ثم قالت:


(١) لفظة "يا" ليست في (ص)، ولا في "الاعتبار".
(٢) الشَّرْح: الماشية. ووقع في (خ): وسَرْح كبير من المواشي. والمثبت من (ص).
(٣) جمع سُفْرة، هو ما يحمل المسافر فيه طعامه.
(٤) بعدها في (ص): أو التَّلّ.