للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء التُّرك إلى سمرقند في سبعة آلاف، فتباطأ حتَّى أغاروا، ولم يلقَهم ومَضَوْا، فقال الناس: إنَّما خرج للقاء امرأتِه. وبلغَه فخطب وقال: يعيبون عليَّ! ثم دعا على التُّرك، فقال: اللهم اقْطَعْ آثارَهم، وعَجِّلْ بَوَارهم (١).

[وكان خليفته حين خرج إلى الترك ثابت قطنة، فخطب الناس فحُصِرَ] (٢) ثم قال: ومَنْ يُطع اللهَ ورسولَه فقد ضلَّ. وأُرْتجَ عليه، فلما نزل عن المنبر قال:

فإنْ لم أكنْ فيكم خطيبًا فإنَّني … بسيفي إذا جَدَّ الوَغَى لَخَطيبُ

فقيل: لو قلتَ هذا [على] المنبر لكنتَ خطيبًا! فقال حاجب الفيل اليشكري:

أبا العلاءِ لقد لاقَيتَ مُعْضِلةً … يومَ العَرُوبة من كَرْبٍ وتَخْنيقِ

تلوي اللسانَ إذا رُمْتَ الكلامَ بهِ … كما هوى زَلِقٌ من شاهقِ النِّيقِ (٣)

أمَّا القُرانُ فلا تُهْدَى لِمُحْكَمِهِ … من الكتاب ولا تُهْدَى لتوفيقِ (٤)

وحجَّ بالناس في هذه السنة هشامُ بنُ عبد الملك بالاتِّفاق.

قال أبو الزِّناد: كتب إليَّ هشامٌ قبل أن يصلَ إلى المدينة أنِ اكْتُبْ لي مناسكَ الحجّ وسُنَنَه. فكتبتُها له، وخرجتُ للقائه، فإني في الموكب خلفَه وقد لقيَهُ سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان، فنزل فسلَّم عليه، ثم سارَ إلى جانبه، فصاح هشام: يا أبا الزّناد. فتقدَّمتُ إليه، وسرتُ من الجانب الآخَر. فأسمعُ سعيدًا يقول له: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ الله لم يزل يُنعم على أهلِ بيت أمير المؤمنين، وينصرُ خليفتَه المظلوم، ولم يزالوا يلعنون في هذه المواطن الصالحة أبا تراب، فأميرُ المؤمنين ينبغي له أن يلعنه. قال: فشقَّ على هشام كلامُه وثقُل عليه وقال: ما قدمنا لشتم أحدٍ ولا للعْنِهِ، قدمنا حُجَّاجًا. ثم قطع كلامه وأعرضَ عنه، وأقبل عليَّ وقال: يا عبد الله بن ذكوان،


(١) الكلام بنحوه أطول منه في "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٨.
(٢) ما بين حاصرتين من "تاريخ" الطبري، ولا بدَّ منه، فلولاه يعود الكلام على الحسن بن أبي العمرَّطة، وهو خطأ. وهذا الخبر لثابت قطنة مشهور.
(٣) النِّيق: أرفع موضع في الجبل.
(٤) تاريخ الطبري ٧/ ٣٧ - ٣٨. وذكر الأصبهاني في "الأغاني" ١٤/ ٢٦٤ أن القصة جرت لثابت قطنة عندها تقدَّم يزيد بن المهلَّب إليه في أن يصليَ بالناس الجمعة.
ومن قوله: وتأخّر عنه جماعة منهم عمرو بن مسلم (قبل صفحتين) … إلى هذا الموضع، ليس في (ص).