للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنفقَه في سَرَف، أمَّا إذا خرج عدوّ الله فصاحبُ بغال (١) زفَّافة، وجنائب (٢) هفَّافة، وأمَّا إذا خرج أخوه المسلم فطاوى ماشيًا.

[قال:] وبلغَ الحجاجَ قولُه، فجاء حَرَسيّ وقال: أجب الأمير. فقام فدخل عليه، فسلّم وجلس، فردَّ عليه الحجَّاج وقال: يا حسن، أنت صاحبُ الكلمات؟ قال: نعم. قال: ما حملك على ذلك؟ قال: ما أخذ الله تعالى على العلماء في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] أخذ الله عليهم العهد أن يتكلَّموا بالحق، ويصدّقوا به بالعمل. فأطرق الحجَّاجُ ساعةً والحسن يدعو في نفسه، فرفع رأسَه وقال: اذهبْ فتكلّمْ بما بدا لك، فإنما أنت ناصحٌ لخاصَّتنا وعامَّتِنا (٣).

وقال الشعبي (٤): لمَّا قدم الحجَّاجُ البصرة؛ جلس للناس في يوم صائف في قبَّة، وفيها الثلج والخِلاف (٥)، ودخل عليه أبناءُ المهاجرين والأنصار وأشرافُ الناس ووجوهُهم.

واستدعى بالحسن، فجاء ودخل، وسلَّم، فردَّ عليه السلام وقال: مرحبًا بأبي سعيد، ودعا بكرسيّ، فأجلَسَه عليه إلى جانبه، فقال له الحجَّاج: اخْلع قميصك يا أبا سعيد. فجعلَ الحسنُ يعالجُ زِرَّ قميصه، فأبطأ به، فطأطأ الحجَّاج رأسه إليه حتى قلنا: يتعاطاه؛ من لطفه. وقال: يا جارية، المُدهُن (٦). فجاءت بمُنهُنٍ، فوضعه على رأس الحسن، وما صنع ذلك بأحدٍ غيرِه، ثم قال له الحجَّاج: يا أبا سعيد، ما لي أراك


(١) في (ص): نعال.
(٢) جمع جنيبة، وهي الناقة يعطيها الرجلُ القومَ يمتارون عليها له. ينظر "لسان العرب" (جنب)، ووقع في (خ): وحبائب. وقوله: زفافة … هفَّافة، أي: مسرعة.
(٣) الخبر بنحوه في "أنساب الأشراف" ١٢/ ٣٧١ - ٣٧٢. وينظر أيضًا "إحياء علوم الدين" ٣/ ٣٢٩، و"المنتظم" ٦/ ٣٤٠ - ٣٤١.
(٤) قبله في (ص): "ذكر اجتماع الحسن والشعبي وعمر بن هبيرة عند الحجاج" وفيه إشكال. فسيرد خبران: الأول منهما فيه اجتماع الحسن والشعي عند الحجاج، والثاني: اجتماعهما عند ابن هبيرة.
(٥) في "القاموس": الخِلاف: صنف من الصفصاف، وليس به، سمّي خِلافًا لأن السيل يجيءُ به سَبْيًا، فينبت من خلاف أصله.
(٦) المُدْهُن، بالضمّ: آلةُ الدُّهن وقارورتُه (شاذّ). ينظر "القاموس".