للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غلامًا فقال له: اكتب ما يقول (١).

قلت: ذكر الثعلبي هذه الأبيات مرفوعة، وهي لحن فاحش. قلت: وفيها علّة أخرى، وذلك لأنَّ كعبًا مات في سنة اثنتين وثلاثين، ومعاوية ولي الأمر بعد الأربعين. فبينهما تسع سنين.

وقال أبو العالية: بلغني أن الشّمس تغرب في عين، والعين تقذفها إلى المشرق.

وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا﴾ يعني: أناسًا، لباسهم جلود السباع، ليس لهم طعام إلَّا ما أحرقت الشَّمس من الدَّواب عند غروبها، وما لفظت العين من الحيتان، ﴿قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَينِ﴾ [الكهف: ٨٦] من قال إنه كان نبيًّا يقول: ﴿قُلْنَا﴾ وحيٌ من الله تعالى، ومن قال: إنه لم يكن نبيًّا يقول: هو إلهام ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ﴾ أي: تقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ [الكهف: ٨٦] يعني الصفح والعفو، وقيل: إمَّا أن تأسرهم فتعلمهم طريق الهدى وتبصرهم طريق الرشاد ﴿قَال أَمَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ أي: أشرك بالله ﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٨٧] أي: منكرًا وهو عذاب النَّار ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ أي: جزاء الأعمال الصالحة ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٨] أي: نلين له القول ونهوِّن عليه الأمر.

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (٨٩)[الكهف: ٨٩] أي: طرقًا ومنازل ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] قال قتادة: لم يكن بينهم وبين الشّمس ستر، وذلك لأنهم كانوا في مكان لا يستقرُّ عليه البنيان، وكانوا يكونون في أسراب لهم حتَّى إذا زالت الشّمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم. وقال الحسن: كانت أرضهم أرضًا لا تحتمل النَّبات، فكانوا إذا طلعت عليهم الشّمس تهوروا في الماء، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فرعوا كما ترعى البهائم. وقال ابن جريج: جاءهم جيش مرَّة فقال لهم أهلها: لا تطلع عليكم الشّمس وأنتم ها هنا، فقالوا: ما نبرح حتَّى تطلع الشّمس، ثم رأوا عظامًا فقالوا: ما هذه؟ قالوا: عظام قوم طلعت عليهم الشّمس ها هنا فماتوا، فذهبوا هاربين في الأرض (٢).


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٦٦.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٦٧.