للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على نهر بَلْخ مقدارَ فرسخين من المدينة- خرج إليه نصر بن سيَّار في عشرة آلاف، وكان الحارثُ في أربعة آلاف، فدعاهم [الحارث] إلى كتاب الله والبيعة للرضى، فناداه قطن بن عبد الله (١) الباهليّ: يا حارث، أنت تدعو إلى كتاب الله والسنة؟! واللهِ لو أنَّ جبريلَ عن يمينك، وميكائيل عن يَسارك ما أجبتك. وقاتَلَهم الحارثُ، فأصابت قطن نشابة في عينه، فوقعَ، فكانَ أوَّلَ قتيل.

وانهزم نصرُ بنُ سَيَّار إلى بَلْخ، وأتبعَه الحارثُ حتَّى دخَلها، وخرج نصر من باب آخر، وأمر الحارثُ بالكفِّ عنهم.

ومر أعرابيٌّ بنساء يبكين، وواحدة منهن تقول: يا أبتاه! ليتَ شِعري! مَنْ دهاك؟ فقال: مَنْ هذه؟ قالوا (٢): بنتُ قَطَن. فقال لها: أنا دَهَيتُ أباك.

وكان على شرطة بَلْخ رجلٌ يقال له: المجتبى (٣) بن ضُبيعة، وكان قد ضرب الحارثَ بنَ سُريج أربعين سوطًا في إمرة الجُنيد، فحبسه الحارث، فجاء رجل من بني حنيفة، فادَّعَى على المجتبى أنَّه قتلَ أخاه بهَرَاة، فدفعه الحارثُ إليه، فقال: أنا أفدي نفسي منك بمئة ألف درهم. فلم يقبل، وقتلَه.

واستولى الحارث على بَلْخ، والجُوزْجان، والفارياب، والطالقان، ومَرْو الرُّوذ. وشاورَ أصحابَه في قصد مَرْو، فقالُوا: لا تفعل، فإن مَرْو بيضة خُراسان، وبها الفرسان، وليس لك بهم طاقة، فأقم هنا، فإنْ جاؤوا إليك فقاتِلْهم، وإلا فاقطعْ عنهم المادة.

فسار فنزل الجُوزْجان، وقال أهلُ مَرْو: إنْ مضى إلى أبْرَشَهر ولم يأتنا فرَّقَ جماعتَنا، وإنْ أتانا نُكبِ. وكاتبَه جماعة منهم، وبلغ عاصمًا، فأجمع على الخروج من مَرْو وقال: يا أهل خُراسان، قد بايعتُم الحارث ولا يقصدُ بلدًا إلا أخليتُموها له، أنا لاحقٌ بأبرشهر، وأُكاتبُ أميرَ المؤمنين منها حتَّى يُمِدَّني من الشام بعشرة آلاف. فحلفَ له أعيانُ القبائل إنهم لا يُفارقونه حتَّى يموتوا إنْ بذلَ المال، فقال: نعم.


(١) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٩٥: عبد الرحمن، بدل: عبد الله.
(٢) في (ب): قالوا له.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٩٥: التجيبي. وكذا في الموضع التالي.