للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقبل الحارث إلى مَرْو في ستين ألفًا ومعه فرسان الأزد وتميم، منهم محمد بن المثنَّى، وحمَّاد بنُ عامر الحِمَّاني، وداود الأعسر، وغيرُهم، وعدَّةٌ من ملوك الطالقان والدَّهاقين.

وخرج عاصم، فعسكر بأهل مَرْو بجياسر (١) عند البيعة، وأعطى الجُند دينارًا دينارًا، وخمسةَ دراهم (٢)، فخفَّ عنه الناس، فأعطى كلَّ واحد ثلاثة دنانير.

ثم التقَوْا فمال محمد بنُ المثنى برايته إلى عاصم في ألفين، فأتى الأزدَ، وفعل كذلك حمَّاد بن عامر وداود الأعسر وغيرهم، واقتتلُوا، فانهزم أصحابُ الحارث، وغرق منهم بشرٌ كثير في أنهار مَرْو وفي النهر الأعظم، ومضت الدَّهاقين إلى بلادها.

وثبت الحارث في بعض الجيش، فبعث إليه عاصم جماعةً، منهم مقاتل بن حبَّان النَّبطي يسألُه ماذا يريد، فلما رآهم الحارثُ بعثَ إليهم محمد بنَ مسلمة (٣) العنبريّ وحدَه، فقال: إنَّ الحارث وإخوانكم يُقرؤونكم السلام، ويقولون: قد عطشنا وعطشَتْ دوابنا، فدعُونا ننزلِ الليلةَ وتختلفِ الرسل فيما بيننا ونتناظر، فإنْ وافقتمونا على الَّذي نُريد وتريدون (٤)، وإلا كنتم وراء أمركم. فأبَوْا عليه، فقال مقاتل بنُ حيان: يا أهل خُراسان إنَّا كنَّا بمنزلة أهل بيت واحد، ويدُنا واحدة، وقد أنكَرْنا صنعَ صاحبكم، يوجِّهُ إليه أميرنا عاصم الفقهاءَ والقرَّاء من أصحابه، ويوجِّهُ صاحبُكم -يعني الحارث- رجلًا واحدًا! فقال محمد: إنَّما أتيتُكم مبلِّغًا، الرجلُ يطلبُ كتابَ الله وسنَّةَ نبيِّه والعملَ بهما، وسيأتيكم ما تطلبون من الغد.

فلما انتصف (الليل) سار الحارث إلى عاصم، وبلغ عاصمًا، فسارَ إليه، فالتَقَوْا، فاقتتلُوا قتالًا شديدًا، فقُتل من الفريقين مئة، وظهر عاصم على الحارث، فسار الحارث، فقطع وادي مرو (٥)، واجتمع إليه زُهاءُ ثلاثة آلاف، ولو ألحَّ عليه عاصم لأهلكه.


(١) في (ب) و (خ) و (د) (والكلام منها): بجيارس. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٧/ ٩٦. وذكر ياقوت جياسر في "معجم البلدان" ٢/ ١٩٥ وقال: من قرى مرو.
(٢) قوله: وخمسة دراهم، ليس في "تاريخ" الطبري ٧/ ٩٧.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٩٧: مسلم.
(٤) في المصدر السابق: فإن وافقناكم على الَّذي تريدون …
(٥) في (ب) و (خ): نهر مرو. والمثبت من (د)، وهو موافق لما في "تاريخ" الطبري ٧/ ٩٨.