للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الرَّسول إلى إبراهيم؛ فإنَّه سار حتى شارف التُّركَ، فرأته طلائعهم، فقصدُوه، فنجا على فرسِ أسد، ووصل بالكتاب إلى إبراهيم، وخاقانُ قريبٌ من إبراهيم، وقد كشفَ خبرَه، وقد خندقَ إبراهيم عليه، وعلى الأثقال.

وجاء خاقان، فصعد على تلٍّ، وجعلَ ينظر على عورةٍ يدخُلُ منها على المسلمين ومعه أهل السُّغْد والخُتَّل، وخلقٌ لا يُحْصَوْن، وجعل يفتقد من أين يُؤتَى المسلمون (١)، فرأى وراءهم جزيرةً بينها وبين المسلمين مخاضة، فقال: اذهبوا إلى الجزيرة، وأْتُوهم من أدبارهم. ففعلوا، واستولَوْا على طرف العسكر، وقتلوا جماعةً من المسلمين، واحتَوَوْا على بعض الأثقال، وأحسَّ المسلمون بالهلاك، وإذا رَهَجٌ (٢) قد ارتفع، ورايةٌ سوداء قد أقبلت (٣)، وإذا به أسدٌ في جنوده، فنكصت التُّركُ عنهم، وجعل إبراهيم يتعجَّبُ من كفِّ التُّرك عنهم وقد ظفروا، وما ظنَّ أنَّ أسدًا يُوافيه. وكان أسدٌ قد أغذَّ (٤) السَّيرَ، وجاء فوقف على التلّ الذي كان عليه خاقان، وتَنَحَّى خاقان إلى الجبل، وكان أصحابُه قد قَتَلُوا من المسلمين الذين في الأثقال خلقًا كثيرًا، منهم صَغان، وعامَّةُ أصحابه، وخرجت امرأتُه تبكي إلى أسد، وأسد يبكي معها.

ومضى خاقان يقود الأسارى الذين كانوا في الخندق والأوهاق، والإبل وعليها الجواري، فأراد المسلمون أن يحملوا عليهم، فمنعهم أسد وقال: قد استقتلُوا فدَعُوهم. فلم يتبعهم أحد، وانصرفوا.

ومضى أسد إلى بَلْخ ونزل في مرجها، وأقبل الشتاء، ونزل الناس في الدُّور، ودخل أسدٌ المدينة.

وكان الحارثُ بن سُرَيج في طخارستان، فانضمَّ إلى خاقان، وحسَّنَ إليه قَصْدَ أسد. وبلغ أسدًا، فخطب يوم الأضحى وقال: إن عدوَّ الله الحارث قد استجاش (٥) طاغيته


(١) في (ب) و (خ) و (د) (والكلام منها): المسلمين. وأثبتُّ اللفظة على الجادَّة.
(٢) الرَّهَج: الغُبار.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٧/ ١١٧: وتربة سوداء، بدل قوله: وراية سوداء قد أقبلت.
(٤) في (ب) و (خ): أجدَّ. والمثبت من (د). والكلام ليس في (ص).
(٥) في "تاريخ" الطبري ٧/ ١١٩: استجلب.