بلغ طرف الظلمة، وذلك في اثنتي عشرة سنة، فوقع في ظلمة لا تشبه ظلمة الليل بل تفور مثل الدخان، فعسكر هناك، وعزم على دخولها، فنهاه الحكماء فلم ينته، وقال لأهل الخبرة: أيُّ الدواب أبصر بالليل؟ قالوا: إناث الخيل البكارة، فجمع من عسكره ستة آلاف فرس من ذلك الجنس، وانتخب من عقلاء عسكره ستة آلاف، ودفع لكلِّ واحدٍ فرسًا. وكان معه الخضر، وهو ابن خالته ومشيره ووزيره، فقدَّمه في ألفين، وبقي هو في أربعة آلاف، وأمره بالمسير في مقدمته، فقال له الخضر: إنَّما نسير في ظلمة، فكيف يصنع من ضلَّ منا عن صاحبه؟ فدفع إليه ذو القرنين خرزةً حمراء وقال: إذا ضللت فألقِ هذه الخرزةَ في الأرض، فإذا صاحت فليرجع إليها الضّلَّالُ. فسار الخضر بين يديه يرتحل الخضر وينزل الإسكندر، وقد علم الخضر ما يطلب الإسكندر. فبينا الخضر يسير إذ عارضه وادٍ، فغلب على ظنِّه أن العين فيه فرمى بالخرزة، فأضاءت الظلمة، وصاحت الخرزة، فإذا هي على حافة العين، فنزل الخضر فإذا ماء أشدُّ بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، وقال لأصحابه: امكثوا. واغتسل وتوضأ وشرب منها ورمى بالخرزة نحو أصحابه فصاحت، فتراجعوا إليه وساروا، ومرَّ ذو القرنين فأخطأ العين، وساروا أربعين يومًا في الظلمة، ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر، وأرض حمراء رملة، وإذا بقصر مبني فرسخ في فرسخ، فنزل ذو القرنين ودخل القصر، وإذا بحديدة طرفاها على حافتي القصر، وإذا بطائر أسود كأنَّه الخطَّاف مزموم أنفه إلى الحديدة معلَّق بين السماء والأرض، فلمَّا سمع الطائر حسَّ الإسكندر قال له: ما جاء بك إلى ها هنا؟ أما كفاك ما وراءك يا ذا القرنين؟ ثم قال: هل أكثر البناء بالجص والآجر؟ قال: نعم، فانتفض الطائر وانتفخ حتَّى بلغ ثلث الحديدة، ثم قال: هل كثرت شهادات الزور؟ قال: نعم، فانتفض حتَّى ملأ الحديدة وسدَّ بين جداري القصر، ففزع ذو القرنين، فقال الطائر: هل ترك النَّاس شهادة أن لا إله إلَّا الله؟ قال: لا، فانضم الطائر، قال: فهل تركوا الصَّلاة المفروضة وغسل الجنابة؟ قال: لا. فعاد الطائر كما كان. قال: ورأى في سطح القصر رجلًا قائمًا، قال: من أنت؟ قال: صاحب الصور، وقد اقتربت الساعة، وأنا أنتظر أمر ربي فأنفخ. ثم ناول ذا القرنين حجرًا وقال: خذه فإن شبع شبعت، وإن جاع جعت. وعاد ذو القرنين إلى أصحابه