للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبرهم بما رأى، وأراهم الحجر فوضعوه في كفة، وتركوا في قبالته حجرًا آخر، فرجح عليه، فعلوا ذلك مرارًا، ففهم الإسكندر وقال: لو وضعتم في قبالته أحجار الدُّنيا لرجح عليها، ثم ترك الحجر في كفَّة، ووضع معه كفًّا من تراب، وبمقابلته حجرًا آخر، فاستويا في الميزان، فقال الخضر: هذا مثلٌ ضربه اللهُ لابن آدم لا يشبع أبدًا حتَّى يحثى عليه التُّراب. فقال الإسكندر: هو ما يقول، لا جرم لأرجعنَّ إلى وطني، ولا أطلب أثرًا في البلاد. ثم ارتحل راجعًا، فبينما هو في وسط الظلمة وطئ الوادي الذي فيه الزبرجد، فقال: خذوا منه، فمن أخذ منه ندم، ومن ترك ندم. فأخذ منه قوم وترك آخرون، فلما خرجوا من الظلمة نظروا فإذا هو زبرجد، فندم الآخذ حيث لم يزدد والتارك حيث لم يأخذ. ورجع ذو القرنين إلى دومة الجندل فلم تزل منزله حتَّى مات (١).

قلت: ومن العجائب أنَّ جدِّي ما ذكر في "الموضوعات" هذه الحكاية، فإنَّه قد ذكر في "الموضوعات" و "الواهية" أسماءَ جماعة فيها مثل: إبراهيم بن سعيد الجَوزَقي وإسماعيل بن مسعدة وإسحاق الفَرْوي، وفي متنها ألفاظ ركيكة جدًّا، منها الخرزة، وقد كان الإسكندر أحوج إلى الخضر منها. وكذا كون الخضر وقع على عين الحياة ولم يخبر بها الإسكندر وقد علم مقصوده فكان الخضر خائنًا له، وكذا الطائر فإنَّه الدَّجَّال وهو في جزائر الهند، وكذا سؤاله عن الصلوات الخمس وغسل الجنابة ونحوها، فإن هذه الأشياء لم تكن مشروعة في ذلك الوقت، وقد انطلى هذا المعنى على خلق كثير حتَّى قالوا فيه الأشعار، أنشدنا عمر بن صافي بالموصل في سنة أربع وست مئة لغيره: [من الكامل]

سلع المطامعِ لا تفوت وإنَّ مَن … ترك المطامعَ كان أربحَ متجرا

قال الذي ترك المطامع خلفه … عينَ الحياةِ وفاتت الإسكندرا

لا تطلبنَّ سوى السَّعادةِ للعُلى … شيئًا فكلُّ الصَّيدِ في جوف الفرا

وذكر أبو القاسم ابن عساكر في "تاريخه" من هذا الجنس العجائب (٢).

والمنقول عن الحسن البصري أنَّه قال: حدَّثني أبو أمامة الباهلي: أنَّ ذا القرنين سار


(١) "المنتظم" ١/ ٢٨٩، وعرائس المجالس ٣٧٠.
(٢) "تاريخ دمشق" ١٧/ ٣٥٠.