في الظلمة وحده ثمانية عشر يومًا حتَّى انتهى إلى جبل قاف في طلب عين الحياة (١).
قلت: وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبي في "تفسيره" عجائب من هذا الجنس، فقال: قال وهب بن منبِّه: كان ذو القرنين رجلًا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره، وكان اسمه الإسكندر، فلما بلغ -وكان عبدًا صالحًا- قال الله: يا ذا القرنين، إنِّي باعثك إلى الأمم، وهم مختلفة ألسنتهم، وهم أمم جميع الأرض، وفيهم أمَّتان بينهما عرض الأرض كله، وأمَّتان بينهما طول الأرض كله، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج، فأمَّا الأمَّتان اللتان بينهما عرض الأرض فأمَّة في قطر الأرض الأيمن يقال لها: هاويل، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها: تأويل. وأمَّا اللتان بينهما طول الأرض فأمَّة عند مغرب الشَّمس يقال لها: ناسك، وأمَّا التي في المشرق يقال لها: منسك. فلمَّا قال الله له ذلك قال ذو القرنين: إلهي، إنك قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر عليه إلَّا أنت، فأخبرني عن هذه الأمم التي تبعثني إلها: بأي قوَّة [أكابرهم]؟ وبأي جمعٍ وبأيِّ حيلة [أكاثرهم]؟ وبأيِّ صبرٍ أقاسيهم به؟ وبأي لسان أناطقهم به؟ وكيف لي أن أفقه لغاتهم؟ وبأي سمع أسمع أقوالهم؟ وبأي حجة أخاصمهم؟ وبأي عقل أعقل عنهم؟ وبأي قلب وحكمة أدبرهم؟ وبأي قسط أعدل بينهم؟ وبأيِّ جندٍ أقاتلهم؟ وليس عندي ممَّا ذكرتُ ما يقوم بهم، وأنت الرحيم الذي لا تكلِّف نفسًا إلَّا وسعها، ولا تحمِّلها إلَّا طاقتها. فقال الله: إنِّي سأشرح صدرك فتسمع كل شيء، وأفتح فهمك فتفقه كل شيء، وأبسط لسانك فتنطق بكلِّ شيء، وأمدُّ لك بصرك فتبصر كل شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء، وأسخِّر لك النور والظلمة وأجعلهما جندًا من جنودك، يهديك النور من أمامك، وتحوطك الظلمة من ورائك -وذكر ألفاظًا من هذا الجنس- قال: فلما قيل له ذلك انطلقَ يؤمُّ الأمم نحو المغرب، فوجد جمعًا لا يحصيه إلَّا الله تعالى، وألسنةً مختلفة، وأهواء متشتِّتة، فلمَّا رأى ذلك كاثرهم بالظلمة، فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها، فأحاط بهم من كل مكان حتَّى جمعهم في مكان واحد، ثم أخذ عليهم النور فدعاهم إلى الله