للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيخًا، فقال له القاضي: يَا غلام، أما تستحي تُقدِّمُ شيخًا كبيرًا؟! فقال [له] إياس: الحقُّ أكبر منه. فقال له: اسكُت. فقال: ومن ينطقُ بحجتي إذا سكتُّ؟ فقال: ما أحسبُك تقول حقًّا. فقال: أشهد أن لا إله إلَّا الله. قال: ما أظنُّك صادقًا. فقال: ما بالظَّنِّ تبطلُ أحكامُ الشرع وتذهب الحقوق. فدخل القاضي على عبد الملك، فأخبره، فقال: اقْضِ حاجته واصْرِفْه لئلا يُفسد علينا أهلَ الشَّام.

[ومن ذلك أنَّه] دخل عليه ثلاث نسوة، فقال: الواحدة مُرضِع، والأخرى بِكْر، والثالثة ثيِّب. قيل له: من أين عرفتَ؟! فقال: أمَّا المُرضع فإنَّها لما قعدت أمسكت بيدها ثديَها، وأمَّا البِكْر فإنَّها لما دخلت لم تلتفت إلى أحد، وأمَّا الثيِّب فإنَّها لمَّا دخلت رمقت بعينيها (١).

و [منها أنَّه] تحاكم إليه رجلان في مال، فجحدَ المدَّعَى عليه، فقال للطالب: أين دفعتَ إليه المال؟ قال: عند شجرة في مكان كذا وكذا، فقال للطالب: اذهب إلى تلك الشجرة لعلك [أن] تتذكَّر المال. فمضى، وأمسك المطلوبَ عنده، ثم قال له بعد ساعة: أترى خصمَك وصلَ إلى تلك الشجرة؟ قال: نعم [-أو لا بعد-] فقال: [قُم] يَا عدوَّ الله [أو:] يَا خائن، فأدِّ إليه ماله. فأقرَّ بالمال (٢).

[وقال محمَّد القيسي (٣):] أودعَ رجلٌ رجلًا مالًا، وخرج إلى مكة، فلما عاد، طلبَ المال، فجحدَه، فأتى إياسًا، فأخبره، فقال: هل علم خصمُك أنك جئتَ إليّ؟ قال: لا. قال: فاذهب ولا تُحدث شيئًا حتَّى تأتيَني. فلما كان بعد أيام دعا إياس ذلك الرجل وقال: أمنزلُك حصين؟ قال: ولِم؟ قال: قد ضاق بيتُ المال بالمال، ولي أَيضًا مال، وأريدُ أن أُودع الجميع عندك. ففرح الوجل ومضى ليُفرغ منزله. فدعا إياسٌ صاحب المال وقال: اطلب مالك منه، فإن أبي فقل له: بيني وبينك القاضي. فجاءه فقال: ادفعْ إليَّ مالي. قال: مالك عندي شيء. فقال: بيني وبينَك القاضي. فقال: أُنسيت، خُذ


(١) تاريخ دمشق ٣/ ٢٢٥ (مصورة دار البشير).
(٢) أنساب الأشراف ١٠/ ٢٩٥ - ٢٩٦، وتاريخ دمشق ٣/ ٢٣٤ وما سلف بين حاصرتين من (ص).
(٣) كذا في (ص) (والكلام ما بين حاصرتين منها). وفي "تاريخ دمشق": ٣/ ٢٣٤: روح أبو الحسن القيسي.