للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك. فأخذَه، وأخبرَ صاحبُ المال القاضي، ثم جاء المُودَع إلى القاضي وقال: قد فرَّغتُ المنزل. فقال له القاضي: الخائنُ لا يكون أمينًا. وأسقط شهادتَه (١).

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة عاملِه على البصرة أن أجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة الجوشني، فَولّ القضاء أنفذَهما. فجمع بينهما، فقال إياس لعديّ: أيُّها الرَّجل، سَلْ عنّي وعن القاسم فَقِيهَي العصر: الحسنَ وابنَ سِيرِين. وكان القاسم يغشاهما، وإياسٌ لا يغشاهما، فعلم القاسم أنَّه إن سألهما عنه أشارا به، فقال لعديّ: أيها الأمير لا تسأل عني ولا عنه، فواللهِ إنَّ إياسًا أفقهُ منّي، وأعلم بالقضاء، فإنْ كنتُ كاذبًا فلا يحلُّ لك أن تولّيَني، وإن كنتُ صادقًا فينبغي أن تقبلَ قولي. فقال إياس لعديّ: إنك جئتَ برجلٍ فوقفتَه على شفير جهنم، فنَجَّى نفسه بيمين كاذبة يستغفرُ الله منها، وينجو مما يخاف. فقال له عديّ: أمَّا إذ فهمتَها فأنتَ لها. فاستقضاه (٢).

[وذكر المدائنيّ عن أبي إسحاق بن حفص بن نوح قال:] قيل لإياس: فيك أربع خصال: دَمامة، وكثرةُ كلام، وإعجاب (٣) بنفسك، وتعجيل بالقضاء، فقال: أمَّا الدَّمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرةُ الكلام؛ فبصواب أتكلَّم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثارُ من الصواب أمثل، وأما إعجابي بنفسي؛ أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أحقُّ أن أُعجَبَ بنفسي، وأمَّا تعجيلُ القضاء؛ فكم هذه؟ وأشار بيده خمسة، فقالوا: خمسة. قال: عجلتُم، ألا قلتُم واحدة واثنتين وثلاثة وأربعة وخمسة؟ قالوا: ما نعدُّ شيئًا قد عرفناه. قال: فمالي أحبسُ شيئًا قد تبيَّن لي فيه الحُكم (٤)؟!


(١) بنحوه في "أنساب الأشراف" ١٠/ ٢٩٦، و"تاريخ دمشق"٣/ ٢٣٤ (مصورة دار البشير).
(٢) بنحوه في "أنساب الأشراف" ١٠/ ٢٩٣، و"تاريخ دمشق" ٣/ ٢٣١. ولم يرد هذا الخبر في (ص).
(٣) في (ص): وإعجابك.
(٤) أنساب الأشراف ١٠/ ٢٩٣، وحلية الأولياء ٣/ ١٢٣، والمنتظم ٧/ ٢٢١، وصفة الصفوة ٣/ ٢٦٤. وما سلف بين حاصرتين من (ص).