للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى أبو نُعيم عن عمرو بن دينار قال: ما رأيتُ أحدًا أهون عليه الدينار والدّرهم مثلَ الزُّهْريّ، ما كانت الدنيا عنده إلَّا مثل البعر (١).

وقال الزُّهْريّ: ما سمعتُ مثلَ أربع كلمات تكلَّم بهنَّ رجلٌ عند هشام [بن عبد الملك]. قال له: لا تَعِدَنَّ عِدَةً لا تثق من نفسك بنجازها (٢)، ولا يغرَّنَّك (٣) المرتقى وإن كان سهلًا إذا كان المنحدرُ وَعْرًا، واعلم أنَّ للأعمال جزاءً، فاتَّق العواقب، وأن للأمور بغتاتٍ، فكُنْ على حَذَر.

ودخل الزُّهْريُّ على الوليد بن عبد الملك، فقال له الوليد: يَا زُهْرِيّ، ما حديثٌ يُحدِّثُنا به أهلُ الشَّام؟ قال: وما هو يَا أمير المُؤْمنين؟ قال: يحدِّثُونا أنَّ الله إذا استرعى عبدًا [رعيَّته] كتبَ له الحسنات، ولم يكتب عليه السيّئات. فقال: هذا باطل يَا أميرَ المُؤْمنين، أيُّما أكرمُ على الله؛ خليفةٌ نبيٌّ، أم خليفةٌ غيرُ نبيّ؟ فقال: بل خليفةٌ نبيّ. قال: فإنَّ الله تعالى يقول: ﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَينَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦]. فهذا وعيدٌ (٤) لنبيٍّ خليفة، فكيف بخليفةٍ غيرِ نبيّ؟! فقال الوليد: إن النَّاس ليغرُّونا في ديننا (٥).

ذكر وفاته:

قال أبو الزِّناد: كان الزُّهْريُّ يقدحُ أبدًا عند هشام في الوليد بن يزيد ويقول: اِخْلَعْه. ويَعِيبُهُ، ويذكر أمورًا عظيمة لا يُنطقُ بها، حتَّى يذكرَ الصِّبيانَ أنَّهم يُخضبون بالحِنَّاء، ويقول لهشام: ما يحلُّ لك إلَّا خلعُه.

وكان هشام لا يستطيع ذلك للعقد الذي عقده [له] ولا يسوءُه ما يصنعُ الزُّهري رجاء أن يُؤَلِّبَ ذلك النَّاس عليه.


(١) حلية الأولياء ٣/ ٣٧١، وتاريخ دمشق ٦٤/ ٤١٣.
(٢) في "العقد الفريد" ١/ ٥٩، و"التذكرة الحمدونية" ١/ ٢٦٢: بإنجازها.
(٣) في (ب) و (د): ولا يغرَّك. والمثبت من (ص) وهو موافق لما في المصدرين السابقين.
(٤) في (ب) و (د): وعيده.
(٥) العقد الفريد ١/ ٦٠، وبنحوه في "الأغاني" ٧/ ١١. ولم يرد هذا الخبر في (ص).