للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنَّما اختار محمَّد خُراسان؛ لأنَّه فكَّر فرأى أهلَ الكوفة شيعةً لعليِّ بن أبي طالب رضوان الله عليه وهم غدر، وأهلَ البصرة عثمانية، وأهلَ الشَّام سفيانية ومروانية، وأهلَ الجزيرة خوارج، وأهلَ المدينة مختلفين، فبعضُهم شيعة عليّ رضوان الله عليه، وبعضُهم يميلون إلى أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما، وأهلَ مصر مختلفي الآراء والأهواء، وأهلَ خُراسان قلوبُهم خاليةٌ من الأهواء (١)، وهم أهل قوة وبأس ونجدة وعُدَّة.

و [حكى أبو القاسم ابن عساكر قال:] (٢) قدم محمَّد بن عليّ على هشام، فقال له: ما الذي أقدمك؟ قال: حوائج. قال: انتظر بها دولتَك التي تتوقَّعونها وتَرْوُون فيها الأخبار، وترشِّحون لها أحداثَكم. فقال: أُعِيذُك بالله يَا أمير المُؤْمنين من هذا. قال: بلى، أنتُم تقولون كذا، وقد جعلتُم رسولَ الله سُوقًا، قد كتبَ إليَّ عاملُ ناحيتك أنَّ النَّاسَ يجيئون إليك بالمال من كل ناحية، فأدِّ (٣) مئة أَلْف درهم. وحبسه وأقدمه في الشَّمس وقال: عذِّبوه.

وكان في عسكر هشام أبو موسى السَّرَّاج، ومعه أبو مسلم غلامٌ ابنُ عشرين سنة، يعلِّمُه صَنْعَةَ السُّروج، وكان أبو موسى من أهل الدعوة، فجمع له مئة أَلْف درهم، وكلَّمُوا فيه هشامًا، فأخذَها وأطلقه (٤).

وقال [الهيثم: قال] الأبرش الكلبي لهشام: إن كان الله تعالى قد قدّر لهم أن ينالوا الخلافة، فلا بدَّ لهم منها، فيجب عليك مصانعتُهم لأجل ولدك وعَقِبك، وإنْ لم يكن في المقدور أن ينالوها؛ فما خوفُك ممَّا ليس بمقدَّر؟ فأمسك هشام عن محمَّد، وخلَّى سبيلَه (٥).

وحكى أبو القاسم أَيضًا عن محمَّد بن سليمان (٦) بن عبد الله النَّوْفلي قال: لمَّا تحدَّث النَّاس أن الخلافة تصيرُ إلى بني العبَّاس؛ كتب هشام إلى عامله بالمدينة أن


(١) في (ص): الأهوية.
(٢) الكلام بين حاصرتين من (ص) ولم أقف على الخبر في "تاريخ دمشق" وهو في "أنساب الأشراف" ٣/ ٩٢.
(٣) في (ص): فإذا، بدل: فأدّ.
(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٩٢ بأطول منه. وسلف ذكر أبي موسى السرَّاج أو سنة (١٢٤).
(٥) المصدر السابق ٣/ ٩٣.
(٦) في (ب) و (خ) و (د): وقال محمَّد بن سليمان … والمثبت عبارة (ص).