للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم كتب عبد الله بنُ عمر لنَصْر بن سيَّار عهدَه على خُراسان، وكانت الفتنةُ قد وقعت بين اليمانيَّة والفَزَاريَّة، وأظهرَ الكِرْمَانيُّ الخلافَ، وقام معه جماعة، فلمَّا ورد كتاب عبدُ الله بنُ عمر على نصر بعهده؛ خمدت الفتنة، وحبس نصرٌ الكِرْمَانيَّ.

واسمُ الكِرْمَانيّ جُدَيْع بنُ عليّ، وإنما سُمِّيَ الكِرْمانيَّ لأنَّه وُلد بكِرْمَان.

ولما أقام الفتنة قيل لنصر: اقتُلْهُ. فقال: لا، ولكن لي ولدٌ ذكور وإناث، وله ولد كذلك، فنُزوِّجُهُ. فقالوا: لا تفعل، واحْبِسْهُ.

فأرسلَ إليه عبدَ الله (١) بنَ بسام صاحبَ حرسه، فأتاه به، فقال له نصر: يا كِرْمَانيّ، ألم يأتني كتاب يوسفَ بنِ عمر يأمرُني بقتلك، فراجعتُه فيك، وقلت: شيخُ خُراسان وفارسُها، وحَقنتُ دمك؟ قال: بلى. قال: ألم أَغْرَمْ عليك ما كان لزمَك من الغُرْم، وقسمتُه في عطايات الناس؟ قال: بلى. قال: ألم أَرِشْ (٢) عليًّا ابنَك على كُرهٍ من قومك؟ قال: بلى. قال: فجعلتَ عوضًا من ذلك إقامةَ الفتن! فقال الكِرْمَانيّ: واللهِ ما أُحِبُّ الفتنَ. فيَتَثبَّتُ (٣) الأميرُ في أمري ولا يعجل.

وقال له جلساؤه: اقْتُلْه. فقال الكِرْمَانيّ: لَجُلَساءُ فرعونَ كانوا خيرًا منكم حيث قالوا: ﴿أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ (٤) [الأعراف: ١١١] فحبسَه في شهر رمضان هذه السنة.

وبعثت الأَزْدُ إلى نصر المغيرةَ بنَ شعبةَ الجهميَّ، وخالد بنَ شعيب الحُدَّانيّ (٥)، فكلَّماه فيه، فقال: لا ناله مني سوء.

وأرادَت الأَزْد نَزْعَهُ من يد نَصْر، ثم تراجعوا، فجعل معه نصرٌ في القُهَنْدِز (٦) رجالًا منهم، فقال رجل من نَسَف الأَزْد (٧): أنا أُخرِجُه. فجاء إلى مجرى الماء في القُهَنْدِز، فحفرَه ووسَّعه، فأخبرَ الكِرْمَانيُّ أصحابَه، فواعدَهم ليلةً بعينها، وخرجَ من السَّرَب في


(١) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٨٨: عبيد الله.
(٢) يقال: راشَ فلانًا: أي قوَّاه وأعانه وأصلح حاله.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٨٨: فلْيَسْتأْنِ الأمير ويتثبَّت.
(٤) القول في "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٨٨ للمقدام وقُدامة ابني عبد الرحمن بن نُعيم الغامدي، وليس للكرماني.
(٥) في (ب) و (خ) و (د) (والكلام منها): الحياني. والمثبت من المصدر السابق.
(٦) كلمة فارسية يعني: قلعة قديمة. ينظر "المعجم الذهبي" ص ٤٤٦ وضبطتُ اللفظة منه.
(٧) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٨٩: من أهل نَسَف.