للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا تُوصلون إلينا الرُّقْعَة وتقبضون مالكم قبل أن يَفْرَغَ ما عندنا؟ فناوَلْناه الرُّقعة، فإذا فيها مئةُ ألف درهم. قال: وهو يستقلُّها لكم، فلم أُصدِّق وقلتُ: حميرُنا ضعيفة، فأَعْطِنا ثلاثين ألفًا، وندخلُ الكوفة، فنقبض الباقي. فقال: وأين تريدون؟ قلنا: الشام إلى الحِمَّة. فغابَ ورَجَع وقال: يأمركم أبو الهيثم أن تَلْقَوْا وكيلَه بالشام في قرية كذا. وكتبَ لنا ورقةً أخرى، وأخذَ الأولى. فقلتُ: مَنْ هذا الشيخ؟ قال: خالد بن عبد الله القَسْرِيّ الأمير، به علَّةٌ، وهو ها هنا يشربُ اللبن.

قال: ودخلنا الكوفة، ثم خَرَجْنا إلى الشام، فقلتُ لمولاي؛ قد حصلَ لنا الذي كنَّا نريد، وهو المهرُ ثلاثون ألفًا، أفلا نمضي إلى الحِمَّة؟ فقال: وما علينا أن نجتمع بوكيله في القرية التي سمَّاها؟

وأتَينا القريةَ، ونزلنا على وكيله، وأعطيناه الرُّقعة، فوقف عليها وقال: إلى أين أحملُ المال؟ فظنَنَّاه سبعين ألفًا تمامَ المئة ألفِ درهم، وإذا به ثلاثُ مئة ألفِ درهم (١)، وطِيبٌ وثيابٌ، وطُرَفٌ وهدايا، وقال: قد أمرني أنْ أحملَها إلى مَأْمَنِكم. فجهَّز معنا قومًا إلى مأمننا، فوَصَلْنا الحِمَّة بخيرٍ كثير.

ثم قال: يا ابن عيَّاش، فما جزاءُ ولدِ هذا مني؟ ثم قرأ الرُّقْعةَ، ووقَّع عليها بردِّ ضِياعهم وأموالهم وأشيائهم، وكان شيئًا كَثيرًا.

و [كان] ولَّى محمد بنَ خالد المدينة (٢)، ثم نقم عليه بسبب إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن حسن بن حسن، فغضبَ على محمد، واستصفَى أمواله.

وحكى القاضي التنوخي عن الأصمعي قال: دخل [رجل] أعرابيٌّ على خالد، فقال: قد قلتُ فيكَ بيتين [من الشعر] قال: قُلْ. فقال:

لَزِمْتَ نَعَمْ حتى كأنَّك لم تَكُنْ … سمعتَ من الأشياءِ شيئًا سوى نَعَمْ


(١) في "تاريخ دمشق" ٥/ ٤٩٤: مئة ألف درهم، وكذا في "مختصره" ٧/ ٣٧٦.
(٢) لفظة "كان" بين حاصرتين زيادة من عندي لضرورة السياق. وعبارةُ "تاريخ دمشق" ٥/ ٤٩٥: وكان سببُ سخطه على محمد بن خالد بن عبد الله القَشري أنه حين ولّاه المدينة تقدَّم إليه في أخذ محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن حتى يُنفذهما إليه موثقين أو يقتلهما، فقصَّر محمد بن خالد حتى عزل وخرجا عليه، فحقد ذلك عليه أبو جعفر فعزله واستصفى أموالهم. والخبر بتمامه في المصدر المذكور، وما سلف بين حاصرتين منه، ولم يرد هذا الخبر في (ص).