للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر هلاكه:

ولمَّا وليَ خالدٌ مكةَ للوليد بن عبد الملك؛ ضربَ حُبابة جاريةَ ابنِ سُهيل، وكانت قَينةً، وتسمَّى العالية، فلمَّا صارت إلى يزيد بن عبد الملك؛ خاف خالدٌ منها، وكانت تُراعي عُمر بن هُبيرة، ويسمِّيها بنتي (١).

فدخلَ خالد على عُمر، وسألَه أن يترضَّاها، فأهدى لها ابنُ هُبيرة هدايا، وسألها أن ترضى عن خالد، فرضيت عنه، وقالت لابن هُبيرة: قد وهبتُه لك. فلم يشكر خالد ذلك.

وكان ابنُ هُبيرة عاملًا ليزيد بن عبد الملك على العراق، فعزلَه هشام لما وَلِيَ، وولَّى خالدًا على العراق (٢).

وقال إياس بن معاوية: كنتُ جالسًا عند ابن هُبيرة في يوم جمعة وقد أذَّن المؤذِّنُ بواسط؛ إذا بغلام يعدو، فقال: إن قومًا قدموا على البريد، وإذا به خالد، فدخلَ المسجد، فصلَّى بالناس، وحبسَ ابنَ هُبيرة، وضيَّق عليه، فقال الفرزدق:

لَعَمْري لئن نابَتْ فَزَارةَ نَوْبَةٌ … لَمِنْ حَدَثِ الأيام تسجُنُها قَسْرُ

لقد حَبَسَ القَسْريُّ في سجنِ واسطٍ … فتىً شَيْظَمِيًّا لا يُنَهْنِهُهُ الزَّجْرُ

فتًى لم تُوَرِّكْهُ الإماءُ ولم يَكُنْ … غداءً له لحمُ الخنازيرِ والخمرُ

يعرِّضُ بخالد؛ لأن أمَّه كانت نصرانيَّة.

فقال ابنُ هُبيرة: ما رأيتُ أكرمَ من الفرزدق، هجاني أميرًا، ومدحنى أسيرًا (٣).

وكان الفرزدق قد هجا عُمرَ بنَ هُبيرة في أيام يزيد بن الوليد، فقال:

أميرَ المؤمنين وأنتَ عَفٌّ … كريمٌ ليس بالطَّبِعِ الحريصِ

أَأَطْعَمْتَ العراقَ ورَافِدَيهِ … فَزاريًّا أحَذَّ يدِ القميصِ


(١) كذا رسم هاتين الكلمتين في (خ) و (د) (والكلام منهما). وقال ابن قتيبة في "المعارف" ص ٤٠٨: كانت تدعوه أبي. وذكر البلاذري في "أنساب الأشراف" ٧/ ٣٧٧ أن عمر بن هبيرة تبنّى حُبابة، وكذا قال صاحب "الأغاني" ١٥/ ١٢٧. وسلف الكلام على حبابة سنة (١٠٥) في ترجمة يزيد بن عبد الملك.
(٢) ينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٣٧٧ - ٣٧٨.
(٣) المصدر السابق ٧/ ٣٧٨ - ٣٧٩. قوله: شيظميًّا، أي: طويلًا، ويُنَهْنِهُهُ: يُحرِّكُه. ينظر "الكامل" للمبرّد ٢/ ٩٨٨ - ٩٨٩.